تعذر إن خبطت في دياجيها خبط العشواء، وقمشت حشواً رثاً من النظريات من هنا وهناك، ولا يجعل لها مذهباً مقرراً تعمل عليه، ولا غاية معينة تسعى لتحقيقها؟
جاء الإسلام ليؤسس ديناً للبشرية يستوعب الأديان عامة، ومجتمعاً عالمياً يسع الناس كافة، ووضع لذلك أصولاً أولية، وقرر له مبادئ كلية، وانطلق الآخذون الأولون به يحققون أغراضه هذه، فجالوا في أكناف الأرض نحو ثمانين سنة نشروا لواءه فيها على نحو ربع الكرة الأرضية، وأبلغوا دعوتهم إلى من لم يصلوا إليهم، وثبتوا في مواقفهم ثبات الرواسي، مستعينين على ذلك باقتباس كلُّ ما صادفوه من خير لدى من احتكوا بهم من الشعوب. ونحن اليوم ننزع لا إلى مثل ما عملوا، فهذا ما لا سبيل إليه، ولكن إلى الاحتفاظ بما حصلوا، فكيف يكون ذلك بغير اتباع السنة التي جروا عليها؟
أنهم كما قلنا عملوا على حفظ العقيدة الإسلامية، والدفاع عن طريقتهم الاجتماعية، بكل ما أوتوه من نشاط في العقل، وسعة في الصدر، حتى إنهم لم يتورعوا عن نقل الكفر الصراح والرد عليه، وأباحوا في سبيل الوصول إلى لباب المعارف، أن يتعلم المسلمون كلُّ ما يمكن تعلمه حتى السحر مع تحريمهم العمل به؛ فهل نضن نحن بأنفسنا على ما لم يضنوا بنفوسهم عليه، فنظل على أسلوبنا في تجاهل المؤثرات التي تنصب علينا حتى تزداد تغلغلاً في قلوب نابتتنا، وتسوقهم إلى الخروج عن حظيرتنا، قانعين بأن ما ينشر من إبطال فعلها في الجرائد والمجلات يكفي لدرء شرها عن العقول؟
إن الأزهر الذي أرادت العناية الإلهية أن تجعله مثابة علمية للمسلمين لا يزال يعنى بالمؤلفات نفسها التي كان يعنى بها آباؤنا الأولون لحياطة الدين من شبهات المشككين، ومذاهب المضللين؛ ولكن أين ما كان عليه المتكلمون في ذلك العهد مما عليه خلفاؤهم اليوم؟ وماذا كنت قائلاً حين تعلم أن أكثر ما يعنى به الأزهر من دفع الشبهات والاستنكارات قد أنقرض أهله منذ قرون، وحلت محلها مذاهب ونظريات تحتاج للفهم الدقيق، ويحتاج دحضها أو تعديلها للنظر البعيد، والعلم الغزير؟
كان آباؤنا الأولون يعنون بعلم الكلام لمجرد دحض الشبهات عن الدين، ونحن نطالب بوجوب تقرير دراسة التيارات الفكرية العالمية في الأزهر لا لهذه الغاية فحسب، ولكن لمقصد لا يقل عنها قيمة، وهو لما لدراسة هذه التيارات الفكرية من الأثر العظيم في رفع