الشيخ: أوافقك على أن موقع البلاد العربية يملك على إنجلترا الحياة والموت، وأن الخلاف بين الدول المستعمرة يفوّت على كل منها الانفراد بالرأي والحكم، وأن شيوع الطاقة الذرية يُبطل الركون إلى القوة في تسويغ العدوان والظلم؛ ولكن مَنْ مِن الساسة الذين تراهم اليوم يتبوءون كراسي الحكم في دول العروبة يستطيع أن يستغل هذه الأسباب لفائدة مصر ومنفعة العرب؟ إن أكثرهم يحترفون السياسة من غير أداة ولا آلة. وإن وثوب من يثب منهم إلى الحكم أو بقاءه فيه، إنما يعتمد على ذرائع غير طبيعية ليس منها على كل حال براعة الذهن ولا نبالة الغرض ولا إرادة الشعب. وأمثال هذه (الكفايات) التي أقامتها المصادفات والحظوظ على إسناد من الدعاية والخداع والتملق والتفريق والمحاباة والتساهل لا يمكنها أن تزاول الإصلاح لأنها صنيعه الفساد، ولا أن تصاول القوة لأنها وليدة الضعف، فقصارى أمرها أن تصانع ولا تصنع، وتقول ولا تعمل، وتدور ولا تسير. وما دام الرجل الذي يخلقه الله للإصلاح ويرسله بالهدى ويؤيده بالخلق، لا يزال وراء الغيب، فإن الأمل في وحدة العرب ونهضة الشرق يظل أوهن من حبال الهباء وأبعد من أشباح الوهم! وإني لأجيل النظر والفكر وأتقصاهما في الأفق الغائم البعيد فلا أتبين لظهور هذا الرجل المنتظر شرطاً ولا علامة.
الشاب: أراك أسقطت الشباب من حسابك، كأنهم غير أحرياء بحمل الشعلة وهم ثمار جهد طويل بذلته الأمة في تنشئتهم وتثقيفهم؛ فهل كانت الشهادات المختلفة الدرجات والغايات، والألقاب الممنوحة من المعاهد والجامعات، دلائل على الجهالة وعناوين للأمية؟
الشيخ: إن الأبناء أشبه بآبائهم من الليلة بالليلة. وإن الدار والمدرسة على حالهما الحاضرة لتعجزان عن تخريج طبقة من الشباب يخرج منها ذلك الرجل الموعود الذي تموت (أنا) في لسانه وتحيا في ضميره، ويتحد في ذهنه وجود ذاته بوجود شعبه؛ فهو يحس ألمه لأنه مجتمع شعوره، ويدرك نقصه لأنه محتلي عقله، ويملك قياده لأنه مظهر إرادته؛ ثم يرتفع بسمو نفسه ونزاهة هواه عن أوزار الناس وأقذار الأرض، فلا يطمع لأن غرضه أبعد من الدنيا، ولا يحقد لأن همه أرفع من العداوة، ولا يحابى لأن فضله أوسع من العصبية، ولا يقول قولاً أو يعمل عملاً إلا إذا وافق الدين الذي يعتقده، والمبدأ الذي يؤيده، والشعب الذي