للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

واحدة هي العربية، وهي بذلك تتصل بماضيها العتيد، فتستمد منه الوحي والإيمان وتتصل ببقية الشعوب العربية في الشرق التي تكافح وتجاهد في سبيل استكمال استقلالها، وذلك من شأنه أن يجعل شعور هذه الأمم كلها واحداً نحو قضاياها الاستقلالية، ويجعلها تسلك سبيلاً واحداً نحو الهدف الأسمى. ولعل تاريخ الحركات الاستقلالية في البلاد العربية كلها يدلنا على قيمة هذا العنصر ومظهره. فاللغة العربية - إذن - هي السبيل الوحيد لاتصال مراكش بالشعوب العربية في الشرق اتصالاً روحياً ومادياً.

ولسنا نعدو الحقيقة إذا قلنا: إن من أكثر الأشياء حيوية في الشعب المراكشي هو العرش. فالعرش العلوي في مراكش عتيد في التاريخ، لأنه ناهز ثلاثة قرون كاملة. ومن أجل ذلك اتصل العرش بالشعب والشعب بالعرش، وأصبحا يعملان معاً لخير البلاد المراكشية ومصلحتها. وهكذا نجد الشعب يتعلق بملكه المحبوب وخاصة في أوقات الفزع، فينجده جلالة الملك ويرفع عنه عدوان المعتدين.

تلك هي عناصر الحياة في مراكش، وتلك هي الدعامات الأساسية التي تعتمد عليها في دفاعها عن استقلالها، وقد عرف الفرنسيون خطر هذه العناصر، فأرادوا هدمها حتى يتمكنوا من إدخال هذا الشعب تحت إمبراطوريتهم. وعرف المراكشيون بدورهم نية الفرنسيين فقاوموها بكل ما يملكون من قوة. وذلك هو جوهر الصراع بين المراكشيين والفرنسيين منذ سنة ١٩١٢. أراد الفرنسيون أن يفصلوا مراكش عن تاريخها ويهدموا خلقها، ويحولوا بينها وبين دينها، ويفرنسوا لغتها، ويقطعوا ما بينها وبين الشرق العربي من صلة، ثم أرادوا أن يفصلوا بين الشعب والعرش.

ولكن المراكشيين تشبثوا بتاريخهم وخلقهم، ثم دافعوا عن دينهم ضد (الظهير البربري) المشئوم سنة ١٩٣٠، وقاوموا برامج التعليم الفرنسية التي طبقت في مراكش حتى يحتفظوا باللغة العربية كلغة رئيسية في المدارس المراكشية، ثم هم يعملون على أن يضموا إلى الجامعة العربية، حتى يضمنوا بذلك اتصالهم بإخوانهم العرب في الشرق. أما صلتهم بالعرش وإخلاصهم له، فلا تزداد إلا توطداً ونمواً.

تلك خلاصة الصراع في مراكش طيلة ثلث قرن. وقد نجح المراكشيون في الاحتفاظ بعناصر الحياة فيهم، وهم إذ يطالبون اليوم باستقلالهم، فإنما يريدون أن يبنوه على أساس

<<  <  ج:
ص:  >  >>