يقول الإمام الثعالبي في اليتيمة: أبو بكر محمد بن العباس الخوارزمي باقعة الدهر، وعلم النثر والنظم، وعالم الفضل والظرف، وكان يجمع بين الفصاحة العجيبة والبلاغة المفيدة، ويحاضر بأخبار العرب وأيامها ودواوينها، ويدرس كتب اللغة والأدب والنحو والشعر، ويتكلم بكل نادرة، ويبلغ في محاسن الأدب كل مبلغ، ويغلب على كل محسن بحسن مشاهدته، وملاحة عبارته، وديوان رسائله مخلد سائر، وكذلك ديوان شعره.
وفي (وفيات الأعيان) أبو بكر أحد الشعراء المجيدين الكبار المشاهير كان إماماً في اللغة والأنساب، وله ديوان رسائل وديوان شعر، وكان يشار إليه في عصره، وهو إن أخت محمد بن جرير الطبري صاحب التاريخ، مات سنة (٣٨٣).
وجاء في (بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة) قال الحاكم: كان واحد عصره في حفظ اللغة والشعر.
ذلكم أبو بكر الخوارزمي، وتلكم منزلته، فلن تخدع أحداً براعة (البديع) وشيطنته وشعبذته في رسالته ذات الأفانين في تلك المناظرة. ومن يصدق أن الخوارزمي لا يعرف (أن للشاعر أن يرد ما لا ينصرف إلى الصرف كما أن له رأيه في القصر والحذف) ويجهل أن معنى (كند النعمة كفرها) ويقول: (ذئب غاض. . . يأكل الغضا) وينظم (تسعة أبيات جمع فيها بين إقواء وإكفاء وإخطاء وإيطاء) فيقول البديع (لمن حضر من وزير ورئيس وفقيه وأديب: أرأيتم لو أن رجلاً حلف بالطلاق الثلاث لا أنشد شعراً قط ثم أنشد هذه الأبيات فقط، هل كنتم تطلقون امرأته؟ فقالت الجماعة: لا يقع بهذا الطلاق. . .).
من يصدق هذا الشيطان (بديع الزمان) في الذي نمقه وزوقه، وقد سمعنا قصته، وغابت عنا مقالة خصمه وإن أيقنا بأن بداهة الفتى أعجزت روية الشيخ. ورسائل الخوارزمي تحقق قول الثعالبي وغيره فيه، وتخبر بأن منشيها يفوق الهمذاني علماً وسعة اطلاع. وكلام أحمد بن الحسين الهمذاني ألطف وأرشق، وكلام الخوارزمي أرصن وأدق، وهو مسجع وكأنه مرسل.
ولأبي بكر رسالتان عجيبتان كتب الأولى إلى جماعة الشيعة بنيسابور، وكتب الثانية إلى أبي الحسن البديهي الشاعر. وقد اشتملت كلتاهما على إشارات وأسماء كثيرة تدهشان