للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أنا فقد احترت كثيراً، وكنت كمن فتح لنفسه باباً لا يقدر عليه، ووقفت أسائل نفسي: هل أجيب على أسئلة الجنرال على الطريقة المعتادة لدينا، وفي صحفنا وأنديتنا فأقول: إن جيشنا على تمام الأهبة والاستعداد لتلبية واجب الوطن، وإن لدينا معدات كاملة، وإن قوادنا من الدرجة الأولى في فنون الحرب والقتال، بل إن منهم من وضع خطط الدفاع الصحراء الغربية. لا شك في أن قولي هذا لم يكن يقدم أو يؤخر، ولكن أمامي قائد من كبار قواد فرنسا سوف يذهب بعد أيام إلى مصر، وسيلتقي برجالنا وقوادنا، وسيعرف بالضبط مقدار معلوماتهم، وسوف يحادث رجال فرنسا عندنا ويقابل الجنرال ويفل والجنرال ويلسون وضباط البعثة البريطانية، وسيقف على كل صغيرة وكبيرة. فوقفت متردداً ثم قلت: أن الجيش المصري يتطور بسرعة نحو استكمال أسلحته، وسترى في مصر وتسمع الكثير عنه، ولا شك أن الخطوات ثابتة. ويذكرني حديثكم عن أيام قضيتها بإيران، والتقيت مرة بأفراد البعثة العسكرية الفرنسية المكلفين بتنظيم الجيش الإيراني، فسمعت أحدهم يقول: (أن الحكومة الإيرانية تطلب منا أن نخرج لها ضباطاً صالحين للقيادة بعد دراسة لا تطول أكثر من سنتين، ونحن في فرنسا نحتاج إلى عشرين عاماً لتهيئة وتكوين ضابط من ضباط الأركان حرب الذين تستطيع أن تعتمد عليهم الدولة في تحريك فرقة من الجنود وقيادتها في ميدان القتال).

وهنا نظر إلي الجنرال طويلاً وابتسم، إذ في ذلك كل الإجابة على أسئلته المحرجة، ولكني أردفت ذلك بقولي له: إن مواد العمل صالحة وجيدة، وإن قوة احتمال الجنود وصبرهم من ميزات الجيش المصري، بل هي أهم عوامل البناء التي يمكن الاعتماد عليها في إخراج جيش حديث يعيد بعض مواقف السلف من الماضي، ولا شك أنكم كتبتم شيئاً من ذلك فارجعوا إلى ما أشرتم إليه في كتابكم.

فهز رأسه موافقاً على ما قلت، وافترقنا، وبعد أسبوع من هذه المقابلة سافر الجنرال إلى القاهرة، ولقي من السلطات المصرية والبريطانية كل ترحاب، وأقيمت له المآدب وحفلات التكريم، منها مأدبة رفعة على ماهر باشا التي أقامها على شرف الجنرال في فندق سمير اميس، وقد دعي إليها كثير من العظماء وأهل الرأي من العظماء وكبار ضباط الجيشين المصري والبريطاني، وأدلى رفعته بحديث نقلته وكالات البرق قال فيه:

<<  <  ج:
ص:  >  >>