للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وسلم فأمنها، فجاءته فأسلمت.

فقتل من هذا العدد الذي كان مجرم حرب قاتلان: هما عبد الله بن خطل ومقيس بن صبابة، وقد قتل عبد الله بن خطل بعد استعاذته بالكعبة، فلم تنجه استعاذته بها من القتل، لأنه كان شديد الجرم بقتله ذلك الأنصاري الذي كان يخدمه، والكعبة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لا تعيذ عاصياً، ولا تمنع من إقامة حد واجب. وقد قتل منهم بعد ذلك اثنان لم يتولى النبي صلى الله عليه وسلم قتلهما، ولو أنهما أسلما وطلبا الأمان منه لأمنهما كما أمن الذين كان جرمهم مثل جرمهما، وهما الحويرث بن نقيد الذي قتله علي بن أبي طالب، وقريبه مولاة عبد الله بن خطل

والمهم في هذه القضية ما حصل من عفو النبي صلى الله عليه وسلم عن أكثر ذلك العدد، فهل حصل هذا بما له من حق العفو، فرأى أن ما ارتكبوه من جرم لم يصل إلى القتل حصل في حال لهم فيها شيء من العذر، فيكون أخذهم بالعفو أولى من أخذهم بالعقوبة. أو حصل هذا لأنهم أسلموا والإسلام يجب ما قبله، كما قال تعالى في الآية (٣٨) من سورة الأنفال: (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وإن يعودوا فقد مضت سنة الأولين).

وقد اختلف العلماء في معنى هذه الآية، فذهب بعضهم إلى أن المراد أنهم إن ينتهوا عن عداوة النبي صلى الله عليه وسلم يغفر لهم ما قد سلف منها، وذهب بعضهم إلى أن الكفار إذا انتهوا عن الكفر وأسلموا يغفر لهم ما قد سلف من الكفر والمعاصي، ويخرجون منها كما تنسل الشعرة من العجين، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: الإسلام يجب ما قبله. وقالوا: الحربي إذا أسلم لم يبق عليه تبعه قط، وأما الذمي فلا يلزمه قضاء حقوق الله، وتبقى عليه حقوق الآدميين.

وما حصل في هذه القضية يشهد للذين ذهبوا إلى أن الإسلام لا يسقط شيء من تبعات الدنيا، ولو كان الذي أسلم حربياً، ولهذا قتل النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن خطل مع استعاذته بالكعبة، ولو كان الإسلام ينجيه من القتل لعرض عليه الإسلام قبل أن يقتله، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر سراياه بأن يعرضوا الإسلام على أعدائهم قبل أن يقاتلوهم، ومثل هذا يجعل الإسلام خالصاً لله تعالى، ولا يجعله وسيله للتخلص من تبعات

<<  <  ج:
ص:  >  >>