ترسم الحرف الأول من حروف الهجاء ولم ينتقلوا بعد إلى الحرف التالي، فقد عثر رونتنجن على أشعة بالغة الغرابة تخترق الأجسام المعتمة كما تخترق أشعة الشمس لوح زجاج شفاف. فما هي؟ وكيف تحدث؟ ولماذا تحدث؟ ومن أين أتت؟ وما خواصها؟
أسئلة لم يجب عنها علم القرن التاسع عشر بحرف واحد، ولم يعرف لها علة ولا تعليلاً. فلقبوها بالأشعة المجهولة (إكس). ولو توفرت المصادفة لكثير من العلماء الذين كانوا يجرون نفس تجارب رونتنجن لاكتشفوها، فإن أنبوبة كروكس الكهربائية التي كان يسعى لمعرفة خواص أشعتها كانت من الأجهزة المشاعة بين العلماء.
أفادت الطب والصناعة
وقد تلقى الأطباء أبحاث رونتنجن وأشعته بكثير من العناية، فعلى هديها تسير لهم الكشف عن الكثير من الأمراض التي تصيب الإنسان، ولاسيما في حالات كسر العظام ووجود أجسام غريبة في الجسم. فإذا أطلق الرصاص على إنسان حددت أشعة إكس مكان القذيفة ليخرجها الجراح. وإذا تكونت داخل الجسم أجسام غير طبيعية أصابته بالمرض استطاع الطبيب بأشعة إكس أن يتأكد من وجودها أو ينفيه، وعلى هذه الصورة يعالج العلة.
وعلى هدى أشعة رونتنجن أيضا يستطيع بعض الصناع فحص الأدوات الدقيقة التي يشترط فيها النقاء ومعرفة ما بها من مواد غريبة. ومثال ذلك كرة البليارد وغيرها. وقد أصبحت أشعة إكس الآن من مستلزمات الطب الحديث، وكثير من العمليات الصناعية.
ولكن رونتنجن نفسه لم يدرك شيئاً من خواص الأشعة الجديدة سوى طريقة صنعها التي عثر عليها بمحض المصادفة فقد كان كسواه من أكثر علماء تلك الفترة يجري تجاربه على أنابيب كروكس الكهربية. وهي أنابيب تشبه في نورها أضواء النيون التي تشهدها كل ليلة في شتى أنحاء البلاد في تلك الإعلانات الضوئية الوهاجة.
ولكن الأشعة المنبعثة من الجانب السالب لأنبوبة كروكس كانت ضعيفة وذات خواص عجيبة إذ تسير في خط مستقيم مرسلة أشعة خضراء ذهبية تنحرف إذا سلطت عليها مغناطيساً. كما كانت مصدر قوة. فلو وضعت في مسارها عجلة دوارة فأنها تديرها. وكانت أيضا ترسل الحرارة في الأجسام التي تعترضها، وتضئ الماس وغيره من الأحجار الكريمة.