للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

نظم في ربان الحداثة (أول الشباب) وجن النشاط (شدة المرح) إلى غير مرانة الطبع ورياضته، ثم شفع ذلك الاعتذار بآخر فقال: (ولم اطرق مسامع الرؤساء بالنشيد، ولا مدحت طالبا للثواب، وإنما كان ذلك على معنى الرياضة وامتحان السوس (الطبع) فالحمد لله الذي ستر بعفة من قوام العيش، ورزق شبعة من القناعة أوفت على جزيل الوفر).

ولكنه لم يلبث أن عزف عن هذا الباطل ونفر طبعه من تلك الأكاذيب فهجر الشعر قائلا في مقدمة سقط الزند: (ثم رفضته (يعني الشعر) رفض السقب غرسه، والرأل (ولد النعام) تريكته (بيضته التي خرج منها وهو فرخ)، رغبة عن أدب معظم جيده كذب ورديئة ينقص ويجدب (يعيب) وهنا يقول: (وما وجد لي من غلو، علق - في الظاهر - بآدمي، وكان مما يحتمله صفات الله - عز سلطانه - فهو مصروب إليه.

وقد اخذ نفسه - في قابل أيامه - بهذا العهد فوقف تمجيده وإجلاله على خالقه وحده، كما ترى ذلك في اللزوميات ورسالة الغفران، والفصول والغايات.

٢٤ - المثل العليا

وقد أشار في تلك المقدمة النفيسة إلى مبدأ جليل ما اجدر محبي الأدب العربي أن يتنبهوا إلى خطره ونفاسته، فآثر أن يوجه مدائحه إلى المثل العليا - حيثما وجدت - في أفذاذ الموهوبين، من سالف القدامى الغابرين، وقابل الذراري القادمين، فقال: (وما صلح لمخلوق سلف من قبل أو لم يخلق بعد، فإنه ملحق به). ثم أعلن براءته مما جمح به طبعه فقال مستغفرا نادما: (وما كان من محض المين لا جهة له، فأستقبل الله الثرة فيه).

ثم وصل إلى ذروة التوفيق في تعليل الكذب الفني وتسويغه، فقال: (والشعر للخلد، (للنفس أو القلب) مثل الصورة لليد، يمثل الصانع مالا حقيقة له، ويقول الخاطر (القلب)، ما لو طولب به لأنكره).

ثم لخص دستور الشعراء ومن لف لفهم من رجال الفنون فقال: (ومطلق - في حكم النظم - دعوى الجبان: انه شجيع، ولبس العزهاة ثياب الزير، وتحلى العاجز بحيلة الشهم، الزميع (النشيط الجريء).

ومما نقتبسه في هذا الباب قوله في رسالة الشياطين ١٣٩:

وزعم صاحب المنطق في كتابه الثاني من الكبت الأربعة: أن الكذب ليس بقبيح في

<<  <  ج:
ص:  >  >>