لهذه الأسباب مجتمعة، سرنا أن أقدم الأستاذ محمود تيمور بك على كتابة المسرحية الطويلة - إذا جاز أن يكون في المسرحيات طويل وقصير كالقصص - فهو ولا شك يمهد السبيل لازدهار هذا الفن الذي لم يرتد مجاله من كتاب الضاد سوى القليلين. وهؤلاء لم يكتبوا للأدب بقدر ما كتبوا للتسلية، مما أفضى إلى هزال حركة التمثيل المسرحي، لا في مصر وحدها، بل في الشرق قاطبة.
ومسرحية (حواء الخالدة) التي نحن الآن بصددها، قطعة من حياة العرب، بطلاها عنترة العبسي وعبلة بنت مالك.
أحب عنترة عبلة فتدللت وتمنعت بعدما حملته المشاق والصعاب وسخرته في معابثاتها ومغازلاتها ليقنص لها أسدا ويجيء إليها بجلده، ولما انصرف عنها أحبته وأخذت تتسمع أنباءه وانطوت على نفسها يوم أنبأها رسول كاذب أن عنترة لقي حتفه. ولكن عنترة لم يمت وعاد إلى بلده بعد غربته، ثرياً تعلم كيف يجرد الجيوش ويستل الحسام، وينازل الأعداء، ويحترب الحروب. عاد وقد غادرته ليونته وطراوته وتدلهه في الحب، وأصبح رجلا شديد المراس معتزاً بنفسه، يأبى أن يسأل أحداً أمراً ولو كان هذا الأمر حبيباً إلى قلبه.
وكأنما أرادت عبلة أن تسخر منه، فرضيت بالزواج من أمير ولكن عنترة بارز ذاك الأمير وبذه وسبى عبلة وشد بها الرحال.
هذا محصل (حواء الخالدة)، صور تيمور فيها تثني المرأة ودلالها، إعراضها وإقبالها، غيرتها، تشفيها ومخاتلتها، حبها وبغضها، وطمعها وطموحها، حشمتها وتبذلها. وجعل تيمور بك يوجه عنايته القصوى إلى لغة الحوار حتى إن المرء ليحتاج أحيانا إلى الرجوع إلى المعجم ليقف على معاني بعض الكلمات من أمثال:(الطباهج الرشراش) و (اللوزبنج) و (النياق العصفورية) وسواها.
ولعل المؤلف اضطر إلى الالتجاء إلى هذه الكلمات وأترابها لأنه تخير موضوعا عربياً تدور حوادثه في بيداء العرب، وهم حريصون على الفصاحة والعناية باللغة لأنها تجارتهم الوحيدة التي يتعاملون بها في الأسواق.
وحسبنا من المؤلف أنه ولج هذا الباب المسرحي وسلك هذا الطريق غير المطروق، وأنه