يطوّح فيها بالسيارة فيرميها في الأخدود الماثل على جنبي الطريق. . .
وصرخ عليه عبد المؤمن أفندي ومسدسه بيده، فخرج من السيارة وتبعه إلى المخفر وهو مصفر الوجه، مرتعد الأوصال، إذ كان حديث عهد بصناعة التهريب ليس له جرأة الأول وثباته، وأقبل على الجندي فزعاً يقول: دخيلك، أنا في عرضك، والله هذه أول مرة، وقد ورطوني، وليس لدي إلا هذه السيارة، هي مالي كله ومنها معيشة عيالي. . .
وانكب على يديه يقبلها، فتنبهت غزيرة الطمع في نفس الجندي، وعاد مثله مثل هذا الرجل الذي أقدم على الفاحشة، ثم ندم عليها وذهب يحاول التوبة، فدخلت عليه امرأة أخرى قد لبست بدل الثياب الفتنة والإغراء ودعته إلى نفسها. . . وقال للسائق:
- دعك من هذا الكلام الذي لا يفيد. لا بد من مصادرة السيارة وما فيها، إلا إذاشيءت أن نتفاهم. . .
وكان شعور عبد المؤمن أفندي، وهو يقول هذه الكلمة، وقد توترت أعصابه كلها واشتدت، وقد تجمع كالقط الذي يرى الفأر، مثل شعور المقدم على الوصال المحرّم، وهو يرى قبح عمله ولكن الميل إليه غالب عليه، فهو لا يملك لشهوته رداً، ولما رأى السائق لا يفهم، ويعود إلى استعطافه ورجائه، تجرأ وقال له:
باختصار: كم فوضوك أن تدفع؟ ثم نظر حواليه هل سمعه أحد؟ وحول وجهه حتى لا تقع عينه على عين السائق، وغلب عليه الحياء إذ كانت تلك أول مرة. . . فرأى السائق باب الفرج، وقال عاجلاً، الذي تريده، الذي تأمر به، بَسّْ أسمح لي أمر.
قال: اثنا عشر ألف ليرة! وتوهم لما قالها أنه قذف قنبلة ذرية أخرى، كالتي ألقيت على هيروشيما، وأحس رجتها في أذنيه. . . فارتاع الرجل وصاح: أرجوك، أنا داخل على حريمك، والله ما معي إلا خمسة آلاف، إن السيارة محملة غزلاً، وليس كالتي مرت قبلها، تلك فيها حرير. قال: هات وأمشِ.
وقبض عبد المؤمن أفندي المبلغ فصار معه ستة عشر ألفاً، مرتب مائة وستين شهراً في الوظيفة كسبها في ليلة، فكيف غفل عن هذا المورد أيامه الماضية كلها. . . وعاد يفكر في الشرف والطهر وفي الفضيحة. . وأحس كأنه قد جن. . . ففتح الباب وخرج يعدو مع الريح لا يدري إلى أين يذهب. . . لقد كان يريد أن يفر من المخفر ومن الحكومة، ومن