لقد قلت - حفظك الله - قبل الآن:(أفسمعت بأعجب من تدريس الخواجة ميشيل والخواجة توما سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر؟)، وما يمنع - يا سيدي - الخواجة ميشيل من ذلك إذا رأيناه عند تدريس سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، متحمساً لها، متعمقاً بدراستها، لا يترك كبيرة أو صغيرة، ولا شاردة أو واردة من تلك السيرة إلا أتى عليها، ولا مصدراً إلا كشف عنه وبين محاسنه ومساوئه؟ وما الفرق بين عدنان وغسان، أو (نظيم) و (ميشيل) أو سواهم، والكل درس في فرنسة، وتلقى علمه وأدبه ونال شهادته التي هو موظف بموجبها، ويتقاضى راتباً بموجب درجتها، من تلك البلاد الأجنبية؟ ليس من فرق بين هذا وذاك، سوى أن الأول رجع إلينا بمذهب شيوعي وزوجة فرنسية. . . ولم يرجع الأخر وهو أحرى بذلك - إلا بعلمه.
إن معظم هؤلاء المعلمين يا صاحب الفضيلة، ملحدون، ولأمور دينهم ودنياهم لا يفقهون، وعن طريقها القويم ضالون، وما أنت - أيها الأستاذ - بغريب عن كل ذلك، وما المشادة التي حصلت بينك وبين بعضهم في زمن ليس بالبعيد، وكانت السبب الأول في تركك التعليم في المدارس الثانوية، وتوجهك وجهة القضاء الشرعي، إلا من أدعم البراهين لما أقول.
أنا أول من يقول بإبعاد من لم يكن كفئاً للتدريس عن مسارح التعليم، كائناً ما كان دينه، وأول من يؤيد فكرة القيام بفحص عام لهؤلاء الذين يحملون شهادات الجامعات الفرنسية، وبينهم من يحمل الدكتوراه في الأدب العربي، وكانت أطروحته عن أحد الخلفاء الراشدين، والمجاز في علم الجغرافيا، ولا يعلم حدود بلاده على التحقيق! ويقول أثناء إلقاء دروسه:(هؤلاء الجبال يمتدون مرتفعين) وإذا كنت كذلك فلا أراني معارضاً إبقاء من هو أهل للتعليم من هؤلاء - وهم كثرة أيضاً - في مركزه.
وأخيراً، أرجو أن لا أكون أغضبت فضيلة الأستاذ، بما أقدمت على لفت نظره إليه، وهو الواسع الصدر؛ وما دفعني إلى ذلك إلا حبي لصراحته وأسلوبه النقدي أولاً، ثم لأدفع عنه تهمة أحب البعض ممن يدعون التجدد من الشباب إلصاقها به، وهو بعيد عنها، حيث قالوا: إن فضيلة من (المتعصبين) أو ممن يدعوهم مركزهم الديني ووظيفتهم الشرعية إلى مثل هذا الكلام في صدد بعض المعلمين المسيحيين، وأنا أول من يشهد بأن الأستاذ - وهو