الإخلال والغموض، لأن صديقي لم يفهم (الاستغلال) على الصورة التي اقتضاها المقام وبالمعنى الذي قصدته، وإنما فهمه بمعناه الشنيع الذي لا يكون بين أخوين، ثم رتب على هذا الفهم في رده على تعليقي ما رتب مما لا أعده موجهاً إلى ما دام قائماً على هذا الأساس!
فأنت ترى أن أكثر ما حدث إنما نشأ من أسلوبين استعمل كل منهما في غير موضعه، وان الأمر كله ما كان ليقع لولا حرفة الصحافة التي تغري بالنشر كما يغرى على القتل حمل المسدس. فان أكثر من هذا يقع كل يوم بين الأصدقاء والاخوة فتزيله كلمة في التليفون أو تحية عند اللقاء.
قال الذين وقفوا على ملابسات هذا الأمر إني إذا كنت أخطأت في نشر المقالة وهي عامة، فان صديقي أخطأ في نشر الرسائل وهي خاصة، وما يُسَوِّغ موقفه من الحكيم يسوغ موقفي منه. ولكني لا أقول هذا القول ولا أستعين به، فإن الواقع أن ما صرفني عن الاستئذان في النشر إنما هو اعتقادي بارتفاع الكلفة بين طه والزيات، وبين الوادي والرسالة.
أما بعد، فإذا جاز لهبَّة الريح أن تزعزع الجبل، أو لحبة الرمل أن تكدر البحر، جاز لنشر مقال أدبي من غير إذن أن ينال من صداقة رفيقي الصبي وخديني الشباب، فينتزع المحبة من خلال النفس، ويقتلع العلاقة من صميم القلب، ويقتطع الماضي من حساب الزمن، بالسهولة التي تنشر بها كلمة في صحيفة!
وما كان ليقع في الوهم أن قلبين ألفت بينهما براءة النشأة، وطول الصحبة، ووحدة الهوى، وطبيعة الثقافة، يجرى بينهما من سوء التفاهم ما يجري بين القلوب المتناكرة والصلات الحديثة! كذلك ما كان ليسبق إلى الظن أن صديقي الذي لم تكشف الحوادث والأيام منه إلا شعوراً سليماً وخلقاً كريماً وذكاءً متقداً وضميراً يقظاً ونفساً طيبة، يخضع لأثر الحر وثقل العمل وعنت الظروف، فيقول في صديقه ما لا يحب، ويرميه بما لا يعتقد!
أخي طه!
إن بيني وبينك ماضياً جليلاً لا تمحوه طوارئ الحاضر الحقير، وصداقة خالصة لا تكدرها شوائب الظن السوء، وذمة وثيقة لا تخفرها بوادر الكلام السريع، وأخوَةً كراماً جزعوا لهذا الخلاف ويسرهم أن ينقضي.
وإذا أمكنك أن تجد في ذاكرتك القوية المعجزة غميزة في خلق أخيك على طول عهدك به،