نحو السادسة عشرة قد تخمرت بخمار أبيض لفته فوق رأسها إلى ما تحت ذقنها، فعل القائمة إلى الصلاة، فسترت به شعرها وجيدها، وبدا منه وجهها مدوراً أبيض مورداً يطفح بالصحة والصبوة، ويشع منه السحر والدلال، وكانت تلبس ثوباً قصيراً لا يكاد يعلو عن الركبتين، يكشف عن ساقين بضتين غضتين ممتلئتين في غير سمن، ممشوقتين في غير هزال، مصبوبتين صب التمثال، وفوق الثوب صدار من وشي رقيق كالذي تتخذه أنيقات الخادمات، قد شد شداً، فهو يبرز من ورائه نهدين راسخين، يلقيان عليه ظلالهما خفيفاً لا يعرف موقعه من النفس إلا من قرأ سطور النهود في صدور العذارى. . . . وكانت تحمل الشاي بأكف كأنها خلقت بلا عظام، وكان جسمها ينبض بالعاطفة التي تلين أقسى الرجال، وتستخرج الصبوة من قرارات النفوس فتظهرها، ولو قيدتها قيود من الخلق المتين، ولو غطتها ستور من الهم الدفين، ولو أنساها علم يشتغل به، أو مال يسعى وراءه، ولو أن الصبوة قد ماتت، لردها هذا الجمال المطبوع حية. . . . أما عيناها، فدعني بالله من وصفهما، فما أدري ما لونهما وما شكلهما، فأن لها سراً يشغلك عن التفكير في وصفهما. . . أنهما تروعانك فتبقى معلقاً بهما، فإذا حاولت أن تضبط نفسك وتعود إلى ما كانت فيه، لم تشعر إلا وأنت قد عدت إليهما. . . إن فيهما مغناطيس يجذب الأبصار والقلوب. . .!
فلما خرجت، قلت: أهذه هي الخادم القروية التي جئتم بها من (التواني)؟
قالوا: نعم.
قلت: فأخرجوها من هذه الدار، فإنها أخطر من البارود!
فضحكوا وعدوها نكتة. . .
وعدت مرة أخرى فإذا هي بلا خمار، فسألتها عنه، فقالت - ويا ليتها لم تقل، فما كنت أدري أن لها مع جمالها هذا الصوت الذي يرن كأجراس الفضة في مواكب الأحلام. . . أو كرنات العيدان في خيال متذكر ليلة غرام - قالت:
- أني قد استثقلتهفألقيته أمام الأقرباء، وأنت منهم (مش هيك)؟
وشفعتها ببسمة من فيها، وغمزة من مقلتيها، وهزة من كتفيها. . . فما هذه البنت؟! ومن أين لها هذا كله؟! وحياتك لو أنها ربيت في مسارح (مونمارتر) في باريس لكان هذا كثيراً منها، فكيف تعلمته في مزابل (التواني)؟!