ويرفض الضيم حتى لو أنى ملك ... به، وكان رسالاتٍ لأديان
يا حامل العبء في إيقاظ أمته ... حملت عبئين بل رزأين في آن
ما بز آثارَك الغراء مبتدع ... ولا بنى فوق ما أعليته باني!
تركتُ مصر وقلبي ذائب حرَقاً ... وجئت أطفئ لوعاتي ونيراني
وكنت جانبت أطياف الربيع بها ... وقلت حسبي بكم جنات (لبنان)
ومذ وفدت رأيت الربع مكتئباً ... كأن أحزانه من لون أحزاني
فلا الجمال قرير في مباهجه ... ولا النسيب على روض وأفنان
كأن (آذار) عاداه وباعده ... وما رأت عينه أفراح (نيسان)
ما للبشاشة قد ماتت بنضرته ... وللأزاهر ما هشت لبستاني؟
وللجداول قد غصت بحسرتنا ... كأنها لم تكن راحاً لريحان
وللنسيم قتيلاً بعد عاصفة ... وللسحائب في رعد وإدجان
وللطيور التي كانت مغردة ... تنقر العشب في يأس وإذعان
وللنواطح لم يشمخن في نظري ... وللروائع قد خيبن حسباني؟
شاهت جميعاً بعيني بعدما حرمت ... لقاء من عشت أهواه ويهواني
جعلت قلبك قرباناً وتقدمة ... للناس، والآن ما حبي وقرباني؟
وما رثائيَ مَن آثاره عَمم ... وكل بيت له كنز لديوان؟
غنيتَ عن كل صيت من عوالمنا ... وعن بكاء وتمجيد وعرفان
وعشت فينا غريباً، فلتعد ألقاً ... لموطن الأصل أو للموطن الثاني
فأنت وحدك تدري الآن ما عجزت ... عنه مواكب أذهان وأذمان
وحسبنا ذكريات منك عاطرة ... وموحيات بأنغام وألوان
وخالدات من الإيمان ناصعة ... تهدي العزاء وتسِمى كل إيمان
من مات موت شهيد لم يمت أبداً ... وقد تبدل أبدان بأبدان
ومن تكن نفسه شعراً وفلسفة ... وبسمة من أغاريد وأوزان
يأبى الإسار وإن وافى مجاملة ... من الشموس، ويأبى العالم الفاني!
(نيويورك)