حين من الدهر كربت تضمحل فيه الآثار هذه الحكمة. وتنطفئ من سمائها أنوار درارىء طالما هدت السارين، وأرشدت الضالين. (وبينما العسر إذ دارت مياسير) وبينا العالم يرتقب هادية وقد تطاول ليل ضلاله وحيرته صات صائت في فلاة لم تعتد الناس أن تسمع فيها للخير دعاء. فأرهفت لأسماع ما يقول الصوت أذنه: فإذا هو يوقظ الهاجد في عماه، وينبه الغافل من كراه، وينادي إلى الحق وصراط مستقيم. وذلك الصائت هو سيدنا وزعيمنا وإمامنا ومصلحنا. وقرة أعيننا، ومهوى أفئدتنا؛ شرف العرب بل المشارقة بل قطين الأرض قاطبة. موحد أهواء أهل (الجزيرة) المتشتتة. والمؤلف بين قلوبهم المتفرقة، ونازع ما في صدورهم من غل. والكادح الجاهد في إعزاز مكانتهم وأعلاه كلمتهم، وتمليكهم الدنيا. مهدم عروش الطغاة والجبابرة من الأكاسرة والقياصرة. محرر الشرق من الغرب. مخرج هرقل من سوريا. وطارد كل طارئ أوربي من كل قطر أسيوي أو أفريقي ذو الخلق العظيم والكتاب الكريم شائد الوحدة العربية وصفوة النوع الإنساني، وأكبر معاني الكون (محمد بن عبد الله) فتبدلت الأرض في ذلك الوقت غير الأرض، وارتدت من الخير بجلبات كانت قد نضته، ورحبت وأهلت بما قلته من الحكمة واجتوته، وغدا آباؤنا إلى طلل العلم الدارس والمدنية الطامسة. فشادوا في مكانه صرحاً لهما ممرداً).
ذلكم ما أملى على، فكتبته، ورويته. ولم يزد على الكلام وكاتبه حرفاً.