للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ناحيتين؛ وكان الأول سَرَف الهوى، وكان مع الثاني سَرَف الحماقة.

وقد أصبح من تهكم الحياة بأهلها أن يكون الفقير فقيراً وهو يعلم أن صناعته في المدنية هي عَمَلُ الغِني للأغنياء. . . وأن يكون الغنيُّ غنياً وهو يعلم أن عمله في المدنية هو صنعة الفقر لضميره.

وخرجت من هذا وذاك مسائل جديدة في فلسفة المعايشة الإنسانية التي يسمونها (الاجتماع)، فسؤال اسمه الاشتراكية يسأل القوة أن تجعل صاحب المال من ماله كالمرأة المطلقة من رجلها. . وسؤال اسمه الشيوعية يطلب من القوة أن تسلط على كل حيّ ما يجعله في قواه كصاحب الدار سلط عليه الطغيان فانقلبت داره سجنه، فهو يتألم من معنى نعمته بمعنى شقائه، ويكون أغيظ له أن روح السجن ليست شيئاً غير روح البيت؛ وسؤال اسمه العَدَمِيّة يأمر القوة أن تجعل الإنسان كالحيوان المُسْتَوْلِغ فيما يجده من طيب وخبيث لا يبالي ذماً ولا عاراً، وليس إلا أنه يعيش ليموت أكلاً ونوماً. . .

هذا إلى أسئلة كثيرة لو ذهبنا نعدها ونصنفها لطال بنا القول وكلها عاملة على نزع الشعور العقلي من الحياة لتظهر أسخف مما هي، وأقبح مما كانت؛ حتى أصبحت الشمس تمحو ليلاً عن المادة وتلقى ليلاً على النفس، في حين أن الدين والإنسانية لا يعملان غير بث هذا النور العقلي في الأشياء والمعاني لتظهر الحياة مضيئة ملتمعة فتصبح أوضح مما هي في نفسها، وأجمل مما هي في الطبيعة.

في مثل هذه النزعات المتقاتلة التي صعدت بالفلسفة ونزلت، وجعلت من العلم في صدر الإنسانية ملء سماء من الغيوم بسوادها ورعدها وصواعقها، وتركت العالم يضج ضجيجه المزعج في قلب كل حي حتى لتذاع الهموم إلى قلوب الناس إذاعة الأصوات إلى أسماعهم في (الراديو). . . في مثل هذا البلاء الماحق تتلفت الإنسانية إلى التاريخ تسأله درساً من الكمال الإنساني القديم تطِبّ منه لهذه الحماقات الجديدة، ولو علمت أن درس هذا العصر في علاج مشاكله الإنسانية هو (محمد) صلى الله عليه وسلم الذي لن يبلغ أحد في وصفه الاجتماعي ما بلغ هو في قوله (إنما أنا رحمة مهداة)

هذا المصلح الاجتماعي الأعظم يلقي فقره درساً على الدنيا العلمية الفلسفية، لا من كتاب ولا فكر، ولكن بأخلاقه وعمله وسيرته؛ إذ ليس المصلح من فكّر وكتب، ووعظ وخطب،

<<  <  ج:
ص:  >  >>