للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

القاهرة!

ونحن في مصر لا نكاد نتمتع بالربيع، إذ ينقلب البرد إلى حر، لا يفصل بينهما إلا أيام قليلة، كأيام السعادة، تشوبها تغيرات فجائية كما تشوب السعادة طوارئ الهموم والأكدار، أما السودان فإن الطبيعة تعوضه الربيع (الذي يسمونه شتاء) عن قسوتها عليه سائر العام بطول الصيف وشدة القيظ.

جمال الليل:

ولولا ليالي الصيف الجميلة لكان شواظا من نار، فالليل هناك في الصيف متعة أي متعة! لا يجلس أحدا ولا ينام تحت سقف، فكل بيت له حديقة أو فناء، حيث توضع (العنجريبات) في المساء، و (العنجريب): سرير صغير، خفيف الحمل، لين المرقد، ولم أر أجمل من ليل كنت أقضيه على (عنجريب) في حديقة منزلي بالخرطوم ن تتنزل إلى أشعة القمر من خلال أوراق الشجر، كأنها روح من السماء يهبط على نفسي بالطمأنينة والرضى. . . وتنعشني نسمات الليل الرفيقة، وينقع غلتي كوز ماء من (الزير) الصغير الذي يأخذ من (العنجريب) مكان (الكومدينو) من السري في حجرة النوم. . .

وماء ذلك (الزير) في ذلك الليل هو الذي يشبه عمر بن أبي ربيعة وجده بحبيبته بالوجد به إذ يقول:

قال لي صاحبي ليعلم ما بي: ... أتحب الفتول أخت الرباب؟

قلت وجدي بها كوجدك بالعذ ... ب إذا ما منعت طعم الشراب.

عيون المها:

وما دمنا بصدد روائع في السودان، فلا مفر من تينك العينين اللتين تبدوان في وجه المرأة السودانية، ولا تكاد ترى منها غيرهما، وهما حسبك! فهي ملففة بالملاءة البيضاء، ترى فتور عينيها في مشيتها، تصطنع الأناة والتمهل، وتعد ذلك من تمام الجمال والدلال!

ولست أدري ماذا أقول في تلك العيون ولم يدع الشعراء شيئا يقال فيها إلا نسبوه إلى (عيون المها. . .؟) على أنني قد رأيت المها، وتأملت عيونها، فلم أجد شيئا من جمال عيون السودانيات. . .

<<  <  ج:
ص:  >  >>