للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الرغبة الملحة الاتحاد الجنسين هي ما نسميه الحب).

ولقد عرضت بعد هذا التفسير الفكاهي لنظرية الحب تعريفات أخر مشوقة؛ ولكن طلب أخيرا من ضيف الشرف أن يدلي ببعض التعليقات على الموضوع.

فابتدأ سقراط حديثه بهذه التوطئة: (ماذا يمكنني أن أقول بعد أن خلبتني آيات هذه البلاغة الساحرة وأسرت فؤادي؟ لقد تحولت إلى حجر صلد، وأصبت بالعي والحصر. إذ كيف يتسنى لبلاهتي أن تباري مثل هذه الحكمة الرائعة؟!) وبعد أن يرمي عن كاهله هذا العبء الثقيل من (التوطئة السقراطية) التي تتميز بأدبها التهكمي، يتقدم إلى جرح (حكمتهم ببلاهة) على حد تعبيره. فيفند حججهم بعدة أسئلة متتابعة - نقول هذا غير غافلين انه كان عميد المدرسة التي نهجت لنفسها الطريقة الاستجوابية في التعليم.

ثم يعمد إلى اتباع هذه العملية التدميرية بعملية إنشائية من عنده. فيفضي إليهم بالحديث التالي: (الحب هو جوع الروح البشرية إلى الجمال الإلهي. فالعاشق لا يكتفي بوجود الجمال، بل يهفو إليه ويحاول أن يخلقه، ويعمل على تخليده بزرع بذرة الخلود في الجسد البشري. ولهذا السبب يحب كل من الجنسين الآخر، من اجل التناسل وتمديد الزمان إلى الأبدية، وكذلك يحب الأباء أبناءهم لان أرواح الأباء المحبين لا توجد الأبناء فحسب بل توجد شركاء وزملاء وخلفاء في البحث الدائم عن الجمال).

وما هو هذا الجمال الذي نسعى لتخليده بواسطة الحب؟ هو الحكمة والفضيلة والشرف والشجاعة والعدل والأيمان. أو بكلمة جامعة: الجمال هو الصدق؛) والصدق هو الطريق الوحيد الذي يؤدي مباشرة إلى عزته تعالى).

فتشرق وجوه الضيوف تقديرا وعجابا، ويعلو هتافهم استحسانا لما قاله هذا الفيلسوف الحافي، ثم يسترسلون فيما يختص بحفلة المساء، إذ يستهويهم السمر، ويمعنون في شرب الخمر. وما هي إلا دقائق، حتى يحسر الفجر لثامه، فيصيح الديك، ويغادر أكثر الضيوف البيت، ولا يبقى هناك إلا ثلاثة وهم: سقراط وأجاثون وأريستوفانيس فيتناول هؤلاء بنت الحان من كأس كبيرة تدار عليهم واحدا فواحدا، وفي الوقت نفسه سمع سقراط يشرح للشاعرين اللذين أخذ النعاس يراود أعينهما، بأن الكاتب المتفوق في الروايات الهزلية، يجب أن يكون كاتبا متفوقا في المآسي. وبينما هو كذلك، يغفو أريستوفانيس وأجاثون

<<  <  ج:
ص:  >  >>