وذلك بالمذكرة التي رفعها حزب الاستقلال إلى جلالة الملك والى اللجنة الفرنسية بالجزائر (حكومة الجنرال دي جول) والتقت حولها الشعب برغم التدابير الجهنمية التي لجا إليها الفرنسيون لإقناع الأمة بالسكوت والاستسلام والتنازل.
ولكن الفرنسيين يضعون الشعب المراكشي، كما قلت، بين احتمالين لا ثالث لهما، أما البقاء تحت نظام النهب والإرهاب والمحق التدريجي، كما كان الحال في الماضي؛ وأما الاندماج في حضيرة العائلة الفرنسية، أي الانتحار وتحدي كل إحساس طبيعي يشعر به المراكشيون في نفوسهم.
أما المراكشيون فهم في أعماق قلوبهم يشعرون انهم عرب ويشعرون أن تطورهم وحظارتهم يجب أن يصبا في قالب لغتهم العربية واتخذوها لغتهم قبل أن يتكون الشعب الفرنسي وقبل أن توجد الفرنسية بقرون، لذلك يعتبرون أن مستقبلهم مرتبط ارتباطا طبيعيا بمستقبل الأمم العربية الاخرى، مرتبط بمستقبل العرب، من الوحدة الثقافية والعاطفية، ولا مانع من ارتباطه بالوجهة الاقتصادية التي تعد محور السياسة اليوم، وهم بأجمعهم ينتظرون بفارغ الصبر اليوم الذي توقع فيه حكومة مراكش المستقلة على دستور الجامعة العربية وتصبح عضوا عاملا بين بقية الأعضاء العاملين العرب، بذلك يصبح المراكشيون عاملا نشيطا لتثبيت السلم العالمي كما كانوا عاملا نشيطا لكسب الحرب.
والمراكشيون يريدون أن يسترجعوا استقلالهم السياسي أولا لأنه حق من حقوقهم الطبيعية، لا يقبل أي مناقشة، وثانيا لأنهم يرون في الاستعماريين الفرنسي والأسباني، خطرا يهدد كيانهم كأمة. وقد اتخذ في مراكش، وبالأخص الاستعمار الفرنسي، وسيلتين لمحو الشخصية المراكشية، والقضاء على كيان الأمة، فمن جهة، باتباع السياسة المعروفة بسياسة الإدماج وهي تتلخص في الإدارة المباشرة للبلاد، ونزع أراضي الفلاح بالقوة وتقديمها للمعمر الفرنسي، وإحلال اللغة الفرنسية محل اللغة العربية، لغة البلاد الوطنية، والاستيلاء على رؤوس الأموال؛ ومن جهة أخرى بمقاومة نشر التعليم، وإهمال الصحة العامة، وخنق الحريات، وتأسيس نظام بوليسي مرعب يحاول بجميع الوسائل الدنيئة، قتل الإحساس بالكرامة في نفس المراكشي لتسهيل السيطرة عليه.
وليس من شك في أن الفرنسيين، ومثلهم الأسبانيون، كانوا ينتظرون من وراء هذه السياسة