للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وعندئذ أقسم المحافظ أنه سيعتقله كرة أخرى ويشدد عليه الحراسة؛ وفي الحال نفذ وعيده، وزج بنفونوتو إلى غرفته، ووضع تحت الرقابة الصارمة. ومن تلك الساعة أخذ بنفونوتو يدبر وسائل الفرار، وكان خادمه اسكانيو قد حمل إليه أغطية جديدة لفراشه، فمزقها شرائح وجعل منها حبلا طويلا، وكان لديه أيضاً خنجر، ومقبض حديدي كبير سرقه من نجار الحصن، فخبأ هذه الأشياء في مرتبته؛ وبدأ يعمل لانتزاع المسامير الغليظة التي تثبت بها مفاصل الباب، ويغطي مكانها بشمع قاتم حتى لا يكتشف أمره؛ وأنفق في هذا العمل جهداً كبير حتى انتهى منه. وفي ذات ليلة اشتدت فيها النوية على محافظ الحصن واجتمع حوله معظم الحرس، اعتزم أمره. ويصف لنا تشلليني فراره في عدة صحف ساحرة رائعة كنا نحب أن ننقلها بنصها لولا ضيق المقام. وقد بدأ بأن دعا الله بحرارة أن يرعاه وينقذه. ثم رفع مفاصل الباب وعالجه حتى استطاع الخروج، وثبت الحبل المصنوع من شرائح الأغطية بنتوء في سور البرج وأدلاه، وعاد فرفع بصره إلى السماء قائلا: (رباه، إنك تعلم عدالة قضيتي، فاشملني برعايتك)؛ ثم أمسك بحبله وتدلى حتى وصل إلى الأرض من ذلك العلو الشاهق؛ وظن أنه غداً حراً طليقا، ولكنه كان في الساحة الداخلية يفصله عن الخارج سوران كبيرا. بيد أنه لم ييأس، ورفع قطعة كبيرة من الخشب كانت ملقاة هنالك على السور الأول وتسلقها حتى القمة، ثم تدلى بحبل صغير كان معه إلى الساحة الأخرى؛ وهنالك رأى أحد الحراس على مقربة منه فاعتزم أن يسحقه، وقصده شاهرا خنجره، ولكن الحارس ولاه ظهره؛ ثم تسلق السور الآخر؛ وهنا خانته قواه قبل أن يصل إلى الأرض فسقط من ارتفاع، واصطدمت رأسه بالأرض وأغمي عليه، ولكنه كان عندئذ خارج الحصن.

يقول تشلليني (وقد كان النهار يسفر، فهب على الهواء الصبوح الذي يسبق بزوغ الشمس، ورد إلى حواسي؛ ولكن صوابي لم يعد تماماً، وخيل لي أن رأسي قد فصل، وأنني انحدرت إلى عالم العدم، ثم عادت إلى قواي شيئاً فشيئا، وأيقنت أني غدوت خارج الحصن، وتذكرت في الحال كل ما وقع، وشعرت بجرح رأسي قبل أن أشعر بكسر رجلي، وذلك حينما مسستها، ورأيت يدي قد خضبتا بالدماء، بيد أني رأيت بعد فحصها أن الجرح لم يكن خطيرا. ثم أردت النهوض، وعندئذ رأيت ساقي قد كسرت مما يلي الركبة؛ ولكني لم

<<  <  ج:
ص:  >  >>