وقد أصبحوا - على توالي الزمن - أعلاماً للفكاهة والمرح في بلادهم، ثم ذاعت بدائعهم في العالم، فأشاعت في أرجائه ألوانا مشرقة من البهجة والسرور.
وليست شخصية (دون كيشوت) إلا لونا مبتدعا جديدا لشخصية جحا كما يتخيلها الأسبان.
وقلما تخلو أمة من مثال قريب أو بعيد لهذه الشخصية المرحة الطريفة، وقد طوع القصاصون كثيرا من الطرائف والرموز الجحوية، وفصلوا منها أنماطا فكرية البسوها عرائس أفكارهم وآرائهم.
ولم تلبث الصورة الجحوية على مدى الأزمان واختلاف الأمم التي تناقلتها أن تشكلت بألوان العصور والأمم التي قبستها. كما يتشكل الماء بلون الإناء الذي يستودع فيه.
١٠ - فبراق:
إن البحث ليطول إذا لم نوجزه إيجازا حتى ليضيق الوقت الفسيح بتفصيل قليل من كثير مما عرضنا له.
وبحسبنا أن نقرر الآن في هذه الإلمامة الخاطفة أن جحا التركي كاد يكون نسخة مكررة من جحا العربي، وإن ضاع قبر الثاني فلم يعرف له مكان كما ضاع الكثير من أثاره فلم يهتد إليه وبقى قبر الأول مزارا يحج إليه في مقبرة (آق شهر).
١١ - من آراء الناس:
وقد غلا بعض الناس، فكاد يلحق الجحيين كليهما بالأولياء والأطهار والقديسين الأبرار.
ومهما يكن من امر، فقد كان كلا الجحيين ذكيا بارعا، راجح العقل، محدثا (أي: ملهما صادق الفراسة)، يتغابى في غير غباء، ويتباله في غير بله، ويمكر في غير خبث، ليخلص من كيد الكائدين، وينجو من بطش المعتدين.