كان يتلفت وراءه بسرعة زائدة لأقل صوت يسمعه. وكان يتكلم الإنجليزية بطلاقه عجيبة، ولولا تلك اللكنة الأجنبية التي كانت تظهر في بعض كلماته لظننت أنه إنجليزي قح. وكان يحب الحديث، ويجيد الكلام إلى درجة تضطر سامعه إلى الإصغاء إليه، والانتباه لحديثه بلذة وشغف.
وكان لدى بعض الأعمال الضرورية التي يجب أن انتهى منها على عجل، فطلبت بلطف أن يسبقني إلى الغرفة المجاورة، وأخبرته أنني سأوافيه إليها بعد قليل. وبينا أنا أخاطبه إذا بسكرتيري الخاص يفتح الباب فجأة ويدخل بدون استئذان كما اعتاد أن يفعل ذلك في بعض الأحيان. فارتاع الهولاندي لهذه الأموات، وأخذ جسمه النحيل يرتعد بشدة وعنف من قمة الرأس إلى أخمص القدمين، وأخرج بسرعة مسدسه من جيبه الخلفي، فذعرت لذلك ذعراً شديداً وصحت فيه بأعلى صوتي قائلاً (ماذا تفعل يا سيدي؟ ولم أخرجت مسدسك من جيبك؟)
ولما رأى الهولاندي سكرتيري ندم على فعلته ندماً شديداً وشعر ببعض الخجل والارتباك ثم أعاد مسدسه إلى جيبه وتهالك على أقرب مقعد منه وهو يلهث من فرط ما اعتراه في تلك اللحظة، ولما تمالك أعصابه وعاد إليه صوابه قال لي بخجل ظاهر، (أرجو معذرتي يا سيدي فإنني رجل محطم الأعصاب كما رأيت).
فأمنت على كلامه بهزة خفيفة من رأسي وقلت (هدئ روعك يا سيدي ولا تخف من شيء).
ولم يكن يلوح عليه أنه قد أفرط في الشراب حتى تصدر عنه تلك الفعلة المنكرة، وقد ظننت لأول وهلة أنه قد يكون أحد المجرمين الذين يتعقبهم رجال الشرطة، ولكني لم ألبث أن أبعدت هذه الفكرة عن رأسي لأنه ليس من المعقول أن يجازف بالدخول إلى مكتبي وهو يعلم أنني الحاكم العام لهذه المنطقة فيعرض بذلك نفسه لإلقاء القبض عليه في أقرب فرصة، وأسرع وقت:
ولم ألبث أن قلت له مشفقاً (يستحسن يا سيدي أن تستريح قليلاً في الغرفة المجاورة حتى تستعيد هدوئك وتسترد قواك، وسأوافيك إليها بعد قليل. . .)
فقام من مقعده متثاقلاً وذهب إلى الحجرة المجاورة لمكتبي ولما عدت إليه بعد أن أنجزت