إذن ماذا يستطيع هذا أن يفعل غير أن ينفر ويسخر ثم يقنع ويقبع. يعيش مع نفسه وفي نفسه وان لم يكن لنفسه، يرجو أن يعيش وفق خطته وهواه، وان لا يزاحمه أحد في (دنياه)، وهو بعد ليس بالأناني، يحب نفسه ويكره سواه، ولكنه الإنسان يمنع الشر عن أي أحد، ويتمنى الخير لكل أحد، ويرجو ألا يصيبه الشر من أحد، حتى ولو لم ينله الخير من أحد. . . هذا تفكيره، فهل هكذا مصيره؟
يعيش هكذا في (دنياه)، معتزاً بروحه ورضاه، معتزلا غير منعزل، لا يهمل كما لا يحفل برأي الناس فيه، ولا يعني بما ليس يعنيه. . .
غير أن الأيام وقد أظن أنها كفلته وأمنته تأتي فتمرضه وتشفيه، فيعلم مداه من اليأس والبأس، فيأنس دون أن يبتئس أو ييئس.
ثم يعود فتفقده عزيزاً غالياً، فينتبه من تيه، ويرى شيئاً لم يكن يرتئيه، يحس بأن المصير، هو غير ما كان عليه التفكير،
ويأخذه الذهول، وكأنه يرضيه أو أنه قد يشفيه مما صار فيه، ولكنه يحس دبيب الأسى يوقظه، ويحركه ويدفعه، فيمشي يتلمس في الوجود، الموجود والمفقود، لا والد ولا مولود، يفتقد صاحبه فلا يجده، ويذكر هواه ولا ينساه، ويهفو ولا يلهو، فيراه الناس كئيباً حزيناً، ثم يراهم يحسبونه مثلهم - ساعة وكل شيء يزول. . .
ساعة وكل شيء يزول! فيعجب ثم يضطرب بل ينتفض ويرتعد ويبتعد قليلاً. . . ثم يعود، فلا يراه أحد كئيباً حزيناً، فقد خجل أن يكون مثلهم، وهو. . . هو الكئيب الحزين. . .