على محمد لأنه صفة، ولكنك إذا قلت محمد حاتم تريد تشبيهه به في الكرم لا يمكن إلا أن تلاحظ أن هنا أداة صححت الجمل، وإلا كنت حاملاً ذاتاً على ذات وطبيعة اللغة تأباه. وقد فطن علماء البيان لمكان الأداة في التشبيه، ورتبوا عليها أحكاماً هي في غاية الدقة والضبط؛ فرأوا أنه إذا لم يمكن تقديرها مطلقاً كان الكلام استعارة، وإذا أمكن بسهولة دار الأمر بين كون الكلام تشبيهاً أو استعارة، وهو ما يسمونه التشبيه البليغ. فإذا أمكن تقدير بعض الأدوات دون بعض كان إطلاق التشبيه على الكلام مقبولاً؛ فان غمض مكان الكاف وكأن بأن يوصف الاسم الذي فيه التشبيه بصفة لا تكون في ذلك الجنس وأمر خاص غريب كقوله:
شمس تألق والفراق غروبها ... عنا وبدر الصدود كسوفه
فهو أقرب إلى أن نسميه استعارة؛ فإنه قد غمض تقدير حرف التشبيه فيه إذ لا تصل إلى الكاف حتى تبطل بنية الكلام، وتبدل صورته. وقد يكون في الصفات التي تجيء في هذا النحو ما يختل به تقدير التشبيه فيقرب حينئذ من القبيل الذي تطلق عليه الاستعارة من بعض الوجوه كقوله:
أسد دم الأسد الهزبْر خضابه ... موت فريص الموت منه يرعد
لا سبيل لك إلى أن تقول هو كالأسد وهو كالموت لما يكون في ذلك من التناقض.
وأيا ما كان فلا معنى لأن ننكر شيئاً يقره المنطق والعقل واللغة والذوق. ولا أحب أن أختم قولي فيما كتبه الشيخ تعليقاً على بعض مباحث البيان حتى ألفت نظر القارئ إلى ما يلجأ إليه الأستاذ من تكلف الشطط في تأويل النصوص الأدبية وبيان مواضع البلاغة فيها. مثل يقول بشار بن برد:
كأن مثار النقع فوق رؤوسنا ... وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه
ويقول الأستاذ:(التركيب يفهم على أنه صورة ملونة. الغبار تكاثف حتى أظلم ووصل إلى السواد القاتم، وليس تشبيه مثار النقع بالليل لمحض القتام، وإنما ملحوظ فيه أيضاً الحيرة والظلام والخطورة والاضطراب وهذا ما يطلب في القتال بالسيوف؛ فإذا أضفنا إلى هذا الحالة النفسية لمن يقاتل بالسلاح الأبيض نجد أنه يعتقد أنه معرض للموت بشهاب ممزق، ولذا قال في السيوف ليل تهاوى كواكبه).