ولست في حاجة إلى القول بأن الإنسان لا يذكر أو بمعنى آخر لا يشعر إلا بما يعرفه الجزء الشعوري من عقله. فكل فكرة تتمكن من الوصول إلى الشعور فهي شعورية، أي أن الإنسان يعرفها ويذكرها، وكل فكرة ترتد إلى اللاشعور أو تحفظ فيه فهي فكرة لاشعورية لا يعرفها الإنسان ولا يذكر الحوادث المتعلقة بها. على أنه من السهل التنقيب عما يوجد في ذلك المخزن - اللاشعور - إذا ترك الإنسان لحرية تفكيره العنان، فلا يعترض حرية التفكير هذه بنقد أو تجريح ولا يرمي أي فكرة تأتي إليه بأنها غير معقولة أو غير جائزة أو الخ. . . بل يترك نفسه للتفكير فلا تلبث الأفكار إذن أن تتوالى كما يقول المثل - الشيء بالشيء يذكر - لأننا سبق أن بينا أن الأفكار والرغبات مسجلة على قواعد الاصطحاب والقرينة، أي أن الأشياء المتشابهة أو المتضادة - والمتقاربة والمتباعدة مسجلة بالقرب من بعضها، وإذا ذكر أحدهما فلابد من تذكر الآخر. وإذا ذكر الإنسان صديقه فلا يلبث أن يذكر أشياء كثيرة معه كبيته أو المقهى الذي يجلسان به أو الكلام الذي حدث بينهما، وإذا تذكر هذا المقهى فقد يذكر مقهى آخر في أوربا أو أي بلد آخر، ويذكر معه الحوادث التي مرت به في هذا المقهى الآخر وهلم جراً.
فاذا كانت الفلتات تخدم التحليل النفسي لأنها توجه نظر المحلل إلى وجهات مهمة فتوحي إليه بالأسئلة الواجب إلقاؤها على المريض، وهذا يتطلب من المحلل ذهناً صافياً وفكراً سليماً، فان على المريض واجباً آخر يجب عليه أن يرعاه، وهو أن يلتزم الإخلاص في كل إجاباته على الأسئلة التي توجه اليه، ويجب أن يعلم أن مقدار إخلاصه هذا يعرفه الطبيب المحلل نفسه. وفوق ذلك فانه يجب أن يترك أفكاره حرة من كل قيد فيجيب بكل ما يخطر على باله بصرف النظر عن موافقة ذلك للمعقول والجائز أو مخالفته لهما.
ولا يفوتني أن أذكر هنا أن شاعرنا شوقي بك في روايته الخالدة (مجنون ليلى) قد ذكر فلتة على لسان ليلى العامرية، فقد ذكرت المسكينة اسم قيس مرتين دون أن تشعر، ولما نبهتها زميلة لها إلى ذلك قالت: وأي شيء في ذلك لو ذكرت قيساً ثلاثا. ثم قالت (يا قيس ناجي باسمكالقلب اللسان فعثر)