الأستاذ النابغة سيد قطب ناقد من الطراز الأول، وله فكرة خاصة في النقد أبرزها في كتابه (التصوير الفني في القرآن)، وهو كتاب جدير بالإعجاب والتقدير.
ولعل من ذيول هذه الفكرة ما كتبه أخيراً في (الرسالة) عن (مواضع النقد). وهو يرى أن ملاحظة الشعور العام هو أهم ما يعني الناقد في الآثار الأدبية، وأن الناقد يجب أن ينظر أولاً في صاحب الأثر هل أحس إحساساً صادقاً بالصورة الفنية التي يرسمها، أم أنه لم يحس بها أو أحس إحساساً كاذباً، والذي يدلنا على مدى هذا الإحساس من الصدق أو الكذب أن نتأمل ما يهيجه الأثر الأدبي من الشعور، فإن بعث في نفس القارئ شعوراً واحداً فصاحبه قد أحس به إحساساً صادقاً، وإن بعث شعورين متناقضين كان إحساس الشاعر أو الكاتب به مزوراً، وضرب لذلك مثلاً قول شاعرنا شوقي:
قف بتلك القصور في اليم غرقى ... ممسكاً بعضها من الذعر بعضا
كعذارى أخفين في الماء بضَّا ... سابحات به وأبدين بضا
فالبيت الأول يبعث في النفس شعور الذعر والخوف، والبيت الثاني يبعث البهجة والانشراح. وقد ذكرت حين انتهيت من مقاله قول الله سبحانه وتعالى (انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون، انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب، لا ظليل ولا يغني من اللهب، إنها ترمي بشرر كالقصر، كأنه جمالة صفر، ويل يومئذ للمكذبين) فرأيت أننا لو سايرنا الأستاذ فيما ذهب إليه لغُمَّ علينا الأمر في هذه الآيات، فالجو العام للآيات هو تهديد وإنذار وتخويف، يقذف باللهب؛ ويرمي بالشرر، ولكن التشبيه لا يبعث في النفس إلا الطمأنينة والهدوء والظل الأبيض الناصع. نعم، إن منظر الجمال الصفر متتابعة مختلطة متحركة في تموج واضطراب هو منظر الشرر، ولكن هذا المنظر لا يبعث في النفس ولاسيما نفس العربي إلا المسرة والبهجة والشعر والجمال، فالجمل أليف إلى نفسه حبيب إليها، وهو حين يكون أصفر يزيد في إعجابه وبهجته فهذا اللون من الألوان المحببة، ولذلك جاء في وصف بقرة بني إسرائيل أنها (صفراء فاقع لونها تسر الناظرين)
وإني سائل الأستاذ سيد قطب رأيه في هذا الجو البياني؟ ولست أتعجل فأنقض عليه رأيه قبل أن أعرف كيف يذهب في تطبيق نظريته على مثل هذا وللأستاذ تحياتي وتقديري.