للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

- إني لست فاتكاً ولا مجرماً أيتها السيدة. بيد أنها ظلت ملتزمة جانب الصمت، وبدت منها حركة فجائية، اقتربت منها ركبتاها إلى بعضهما فجرى الذهب من حجرها إلى بساط الأرض، كما يجري الماء من الأنبوب. ودهش الرجل، فأخذ يحدق في هذا الجدول الجاري من الذهب. . . ثم مال فجأة إلى الأرض لالتقاطه. أما هي فريعت ونهضت ملقية على الأرض جميع ثروتها، ثم هربت إلى باب عربة القطار تود أن تقذف بنفسها؛ غير أنه أدرك ما عزمت عليه، فوثب من مكانه وأمسكها بيديه، ثم أجبرها على الجلوس وقال لها وهي ترتعد بين يديه:

- اصبغي أيتها السيدة. لست شريراً ولا فاتكاً، ودليلي على هذا إني سألتقط هذه النقود وأردها إليك. . . إني رجل هالك ومحكوم علي بالموت، إن لم تعينيني على اجتياز الحدود الروسية، وليس بوسعي أن أبسط لك القول أكثر من هذا. ففي خلال ساعة سنصل آخر الحدود الروسية، فإن لم تنجديني إني إذاً من لهالكين. ومع ذلك أيتها السيدة، أقسم لك أني لم أرتكب قتلاً، ولا اقترفت سرقة أو جرماً يسيء الشرف ويخدش الكرامة. احلف لك على هذا، وليس بمقدوري أن أزيدك في القول. ثم جثا الشاب على ركبتيه، وأخذ يلتقط النقود، وينقب حتى أصغر قطعة متدحرجة منها، وحين أفعمت محفظة النقود كما كانت، ناولها لجارته دون أن ينبس بنت لسان، ثم انتقل وجلس في الزاوية الثانية من عربة القطار، وظل الاثنان ساكنين، لا يبديان حركة، ولبثت هي في صمتها وسهومها وجمودها: أسيرة الخوف الذي بدأ ينجلي عنها شيئاً فشيئاً. أما هو فلم يظهر حركة أيضاً، ولم يبد إشارة. بل استمر مستقيم الجلسة تحدق عيناه إلى الأمام، ووجهه مصفر اصفرار وجوه الموتى.

على أنها كانت من حين لآخر ترميه بنظرة خاطفة. كان رجلاً في الثلاثين من سنيه، شديد الفتنة سليم القسمات، في وجهه سمة النبل والاستقامة. وظل القطار يخترق حجب الظلام، ملقياً في أذن الليل الدامس صفارته الحادة الصارخة، ولا يكاد يهدأ من سيره ويخفف قليلاً من سرعته حتى يستأنف لجبه وهويه وهديره، ولكن فجأة، خفف من مشيته، ثم انطلقت من قاطرته عدة صفارات ووقف تماماً عن السير.

وبدا الوصيف (إيفان) على باب الغرفة، يتلقى أوامر سيدته فتأملت الكونت ماري مرة أخيرة رفيقها الغريب، ثم قالت لتابعها بصوت أجش:

<<  <  ج:
ص:  >  >>