البلاد، فقومت من الأخلاق وهذبت من العادات، وأسقطت حكومات وأدلعت نيران ثورات، فأين قصتنا المصرية من هذا كله؟
أو ليس عجيبا والشعب يعاني قصصا عللا اجتماعية لا حصر لها ألا نجد بين كتابنا القصصيين من يجعل من هذه العلل عقد قصصه؟. . . بل إن النفس لتقطر أسى حينما نقلب بين أيدينا المجلات الأسبوعية فلا نقف فيها على غير قصص الحب، كأنما الشعب الذي يؤود سواده أعباء الجهل والفقر والمرض يمضي كل وقته متغنياً بالحب وما يتصل بهذا الحب من العواطف والانفعالات؟. حتى هذا اللون من القصة الذي استغرق كل أدبها إنما هو لون واغل دخيل!
لقد دلت التجارب على أن الناسخ أو المقتبس لا يستطيع في الغالب أن يخلق أو يبتكر، وهذه حقيقة معروفة لنفر غير قليل من هؤلاء الذين توفروا على النقل والاقتباس.
ولكن ليس هذا كل ما في الأمر من خطر، ذلك بأن القصة غزت ميداناً واسعاً هو ميدان السينما وتأثيرها على العقول لا يحتاج إلى دليل، فإن أولادنا وبناتنا وزوجاتنا يؤثرون دور العرض على غيرها من ضروب التسلية والترويح عن النفس، وهكذا يبرز جلياً خطر عرض عادات وأخلاق غير عاداتنا وأخلاقنا على النشء والبنت والزوجة مما وضح أثره الأليم في اصطناع هذه العادات والتخلق بهذه الأخلاق حتى أشفق المشفقون على مجتمعنا من الانحلال.
وبعد فلعل ختام هذه الكلمة العاجلة هو ما كان ينبغي أن يكون مبدأها، ذلك أني كتبت هذه الكلمة في أعقاب قراءتي قصة لكاتب في عدد المصور الأخير عنوانها (الأرض التي تكفيه)، وقد نسبها الكاتب إلى نفسه، وهي لروائي من أعظم روائي العالم وأبعدهم صيتاً وهو الروائي الروسي الكبير ليو تولستوي. . . وهي القصة الموسومة باسم:
(كم حاجة المرء من الأرض). . . والنقل على هذه الصورة أبعد ما يتصوره الإنسان من الجرأة، فلو أن الناقل نقل عن كاتب مغمور لالتمسنا له بعض العذر، ولكن أن يضيف إلى نفسه عملا لكاتب لامع كتولستوي فهذا هو ما يحير عقلا كعقلي على الأقل. . فهل ظن الناقل أن أدب تولستوي لا يقرأه شخص عداه؟ فإذا كان شأن، أدباء القصة هنا مع مؤلف (السلم والحرب) و (أنا كارنينا) هو هذا الشأن فكيف شأنهم مع غيره؟