عشرة أقدام. وانقض السيد شيكه على السارق وقد اشتد به الغيظ وزاد به الغضب فأوسعه ضرباً. فكان وهو يضربه كالمطروق أو كمن به مس، كان يضربه كما يضرب كل فلاح من سرقه أو سلبه شيئاً، فانهال ركلاً ولكماً على المعوه الذي لم يستطع عن نفسه دفاعاً.
وجاء أهل المزرعة بدورهم فاشتركوا مع السيد في ضرب المتسول بما لديهم من الآلات، حتى تعبوا من ضربه، ثم حملوه إلى حظيرة الحطب فأودعوه فيها ريثما يرسلون في طلب الشرطة.
ومكث طريحاً على الأرض وقد سالت دماؤه وأهلكه الجوع وأشرف على الموت حتى جاء المساء ثم تبعه الليل وأعقبه الفجر دون أن يطعم شيئاً. وأقبل اثنان من الشرطة عند الظهيرة ففتحا بشيء من الحذر إذا كانا يتوقعان مقاومة. فقد زعم السيد شيكه أن الصعلوك قد هاجمه وإنه لم يدفع عن نفسه إلا بجهد جهيد.
وصاح به الشرطي أن قف.
ولكن كلوش لم يقو على الحركة. وقد حاول أن يتحامل على عكازه فلم يستطع؛ فظن الشرطة أنه يتصنع العجز ويلجأ إلى الحيلة وينوي شراً، فأمسك به الرجلان المسلحان بعنف وشدة وحملاه بالقوة على عكازيه.
وأذهله الخوف، هذا الخوف الفطري في نفسه من الحمائل الصفراء، خوف الطريدة من الصائد. أو خوف الجرذ من القط. فبذل جهداً خارقاً حتى استطاع الوقوف.
وأمره الشرطي بالسير، فسار على مشهد من عمال المزرعة وهم يرمقونه جميعاً بنظراتهم فكان النساء يشرن إليه مهددات، والرجال يتضاحكون ويسبونه ويحمدونه الله أن وقاهم شره وأراحهم منه.
ومضى كلوش بين حارسيه ولا يزال به رمق من حياة وفضل من قوة كان لابد منهما لكي يواصل السير إلى المساء، واستغلق عليه الأمر واشتد به الانزعاج بحيث لم يستطع أن يفهم شيئاً مما نزل به. وكان المارة يقفون في الطريق لمشاهدته ويتحدث الفلاحون عن لصوصيته؛ وبلغوا قصبة المقاطعة نحو الليل، ولم يكن قد سبق لكلوش أن بلغ قط إلى هذا المكان، فلم يكن يتصور ما وقع له ولا يفكر فيما عسى أن يحل به. وقد أصابه الوجود واستولت عليه الدهشة لهذه الحوادث المباغتة وهذه الوجوه والمنازل التي لم يكن له بها