أيتها الشعوب فقد أديت واجبك حسبك ودعي الأمر لأولي الأمر. دعيه للساسة يعالجون بالحكمة والديبلوماسية، بعد ما عالجته بالدماء والتضحية!
ومنذ هذه اللحظة المشؤومة وقضايا العرب تخسر في كل مكان، ومنذ هذه اللحظة المشؤومة والاستعمار يكسب في كل مكان. لقد التقط الاستعمار أنفاسه بعد الجهد العنيف، بعدما كاد يسلم للشعوب بحقها المغصوب. ولكن لماذا يسلم، وهؤلاء جماعة من هذه الشعوب يخدرونها لتنام، ويروحون على وجوهها لتنعس، ويلوحون لها بالأحلام الجميلة لتستغرق في الأحلام الجميلة؟
ألا قاتل الله اللحظة المشؤومة التي استسلمت فيها الأمم العربية لهذه الغربان المشؤومة!
والآن أيها العرب. أما تزالون تنتظرون.
فأما مصر فقد هداها الله إلى نصف الحق، هداها إلى قطع المفاوضات والمحادثات والمداولات. هداها إلى الخروج من تلك الدائرة البغيضة التي دارت فيها ودارت خمسة وعشرين عاماً كما يدور ثور الساقية، أو حمار الطاحون!
ولكنه لم يهدها بعد إلى النصف الآخر. لم يهدها إلى أن زمام الأمر في يدها هي لا في يد هيئة الأمم المتحدة، ولا في يد مجلس الأمن، ولا في يد محكمة العدل الدولية، ولا في يد كائن من كان على ظهر هذه الأرض إلا المصريين!
لم يهدها إلى أنها تخطو إلى منتصف الطريق عندما تلجأ إلى هذه الهيئات الدولية؛ فأما نصفها الآخر. نصفها المؤدي إلى الغاية، فهو أن تعزم على الاستقلال في ضميرها، وأن تنبذ العبودية من روحها، وأن تطهر دماءها من لوثة الذل الذي فيها. وإن تنبز على سواء إلى هذا الاستعمار فتواجهه بنفسها مواجهة من اعتزم وصمم وانتهى.
ولو فعلت مصر لنظرت في تطهير المصالح المصرية من كل موظف إنجليزي منذ هذا الصباح. وفي تطهير الاقتصاد المصري. من كل نفوذ إنجليزي منذ هذه الليلة. وفي تطهير التعليم المصري من كل أثر إنجليزي دسه الاستعمار على نظمه وبرامجه وكتبه، وحقائقه التاريخية والجغرافية. وفي تطهير الحياة المصرية من كل ما هو إنجليزي مهما اشتدت حاجتنا إليه.
ولو فعلت مصر لرفض أي مصري أن يخاطب أي إنجليزي على ظهر الوادي ولو للسلام