ومن الإنصاف أن نذكر أن الخديعة في هذه المرة لم تأت عرب فلسطين الأباة من جهة الإنجليز، إنما جاءتهم من جهة من يسمونهم الزعماء، الزعماء هنا في مصر وفي بعض البلاد العربية. وخدع العرب الأباة بذلك الكتاب الأبيض الذي أسفر عنه المؤتمر. وجاءت الحرب فوقفوا في صف إنجلترا هم وسائر العرب في بلاد العرب.
وقيل لهم: أن الإنجليز سيعرفون فضل مناصرتهم في ساعة العسر فصدقوا. وكانوا بلهاء حينما صدقوا! واشترك في خديعتهم أولئك الساسة والأدباء والكتاب والصحفيون المغفلون والمأجورون الذين راحوا يشيدون بالديمقراطية، والمدافعين عن الديمقراطية!
ثم وضعت الحرب أوزارها، وهب الإرهابيون اليهود يجلدون الإنجليز في الشوارع، وينسفون مقر القيادة الإنجليزية، ويخطفون القضاة والقواد؛ ويطلقونها صرخة مدوية: فلسطين لليهود!
وقيل للعرب: اسكتوا واصمتوا واطمئنوا. فقد وقع الصهيونيون في شر أعمالهم، وسينالون عداء الإنجليز، ما في ذك شك، وسيجازيهم الإنجليز على ذلك بالتمكين للعرب في فلسطين!
وقيل للعرب: حذار من أن تكونوا حمقى كاليهود. كونوا (عقلاء) أيها العرب لتكسبوا مودة الإنجليز. . . قالها لهم هؤلاء الساسة الذين اختاروا من أول الأمر طريق المفاوضات والمحادثات والمؤتمرات، إسهالا واستغلالا!
وصدق العرب المساكين، منطق ساستهم المحنكين! وباتوا (عقلاء) عقلاء جداً؛ لا يحركون ساكناً، ولا يرفعون صوتا ولا يعكرون صفواً.
وبدأ الإنجليز يحنقون على الإرهابيين، ويميلون للعرب. . . فالغوا سياسة الكتاب الأبيض، وسمحوا بالهجرة اليهودية بعد ما انتهى الأجل الذي حدده للهجرة ذلك الكتاب! ثم دعوا العرب واليهود إلى مؤتمر في لندن لوضع حل حاسم لقضية فلسطين
ولج اليهود (المجانين) في إثارة أحقاد البريطانيين. ولج العرب العقلاء في الصمت والهدوء. . ثم إذا الإنجليز يزدادون مع اليهود حنقا ويزدادون للعرب مودة. وإذا مستر بيفن يعرض حلا يتفق مع ذلك الحقد ومع هذه المودة. . . انه يقترح السماح لمائة ألف يهودي بالهجرة إلى فلسطين في خلال خمسة وعشرين شهراً! أليس الرجل حانقا على اليهود