نقص وتحديد، هو نفسي، وهو عندي أعز ما في الوجود، لا أعدل به شيئاً، ولا أرجو إلا أن يمتد الأجل بهذه الذات التي ترى صورتها وتسمع صوتها، ولا يعنيني في كثير أو قليل تلك الحياة الخالدة التي تظل باقية في الكائنات الأخرى، والتي تحاول بكل ما وسعك من دليل أن تقيم الحجة على أنها حياتي أنا، فلست أرى خيراً في حياة لا أحس بنفسي أنها حياتي.
فيلاليش - لست وحدك يا صاح تريد أن تبقى، فكل كائن دبت فيه الحياة يريد البقاء، وحسبك هذا دليلاً قوياً على أن هذه الرغبة الشاملة التي تنطق فيك بهذا الرجاء، إنها ليست صيحة الفرد منك، ولكنها نزعة الوجود بأسره، إنها قوة عارمة تنشد البقاء ولا عبرة عندها بالأفراد مادامت تحقق بقاءها المنشود، فرغبة البقاء، أو إرادة الحياة، وقد التمست لنفسها الوجود والخلود، وجسدت نفسها في أفراد الكائنات، وألقت في أنفسهم وهماً بأنهم غايات مقصودة لذاتها، لكي يحرصوا على الحياة ويكونوا وسيلة صالحة لبقائها، والواقع أنهم ليسوا إلا أداة تستغلها تلك الإرادة، وسواء لديها أفنى هذا الفرد المعين أم امتد به الأجل، مادامت تجد من غيره ما يضمن بقاءها. . . حسبك يا أخي أن تعلم أنك أداة لتلك الإرادة الشاملة، وأنك صورة من صورها، وإنك لست غاية مستغلة قصدت لذاتها، وإن الحياة لن تخسر بفقدك شيئاً، بل لعلك تجني من ذلك خيراً كثيراً، لأنها كانت سجينة في قيود فرديتك، مثقلة بمادة جسدك، ثم انطلقت إلى حيث لا قيود ولا حدود! حسبك هذا لتعلم أن قصة الموت صبيانية تافهة، فليس جديراً بالخوف والإشفاق، وليست حياة الفرد خليقة بهذا التقدير العجيب، ولكم يبعثني على السخرية إنسان يتمسك بحياته ويتشبث بها، ويشفق من الموت ويخشاه، كأنه وحده الكائن الحي الذي نيط به بقاء الحياة.
تراسيماكوس - ليس لعمري أبعث على السخرية من هذا الهراء، ولولا رغبتي في السمر واللهو، لما استمعت إليك لحظة واحدة.