(الله (تعالى) ينسخ الشرائع بالشرائع لأنها مصالح، وما كان مصلحة أمس يجوز أن يكون مفسدة اليوم وخلافه مصلحة. والله (تعالى) عالم بالمصالح والمفاسد فيثبت ما يشاء، وينسخ ما يشاء بحكمته).
٨٦٩ - أثر البيئة
الحيوان للجاحظ:. . . لا ننكر أن يفسد الهواء في ناحية من النواحي فيفسد ماؤهم، وتفسد تربتهم، فيعمل ذلك في طباعهم على الأيام. . . وقد رأينا العرب وكانوا أعرابا حين نزلوا خراسان كيف انسلخوا من جميع تلك المعاني. وترى طباع بلاد الترك كيف تطبع الإبل والدواب وجميع ماشيتهم من سبع وبهيمة على طبائعهم. وترى جراد البقول والرياحين وديدانها خضراء وتراها في غير الخضرة على غير ذلك. . وقد نرى حرة بني سليم وما اشتملت عليه من إنسان وسبع وبهيمة وطائر وحشرة فنراها كلها سوداء وقد خبرنا من لا يحصى من الناس أنهم قد أدركوا رجالا من نبط بيسان ولهم أذناب إلا تكن كأذناب التماسيح والأسد والبقر والخيل وإلا كأذناب السلاحف والجرذان فقد كان لهم عجوب طوال الأذناب. وربما رأينا الملاح النبطي على وجهه شبه القرد، وربما رأينا الرجل من المغرب فلا نجد بينه وبين المسخ إلا القليل. وقد يجوز أن يصادف ذلك الهواء الفاسد والماء الخبيث والتربة الردية ناسا في صفة هؤلاء المغربيين والأنباط ويكونون جهالاً فلا يرتحلون ضنانة بمساكنهم وأوطانهم ولا ينتقلون، فإذا طال ذلك عليهم زاد في تلك الشعور وفي تلك الأذناب وفي تلك الألوان الشقر وفي تلك الصور المناسبة للقرود.
٨٧٠ - ويبيع قرطيها إذا ما أعدما
تتمة اليتيمة: قد أكثر الشعراء في الحث على الاضطراب في الاغتراب لالتماس الرزق وقضاء الوطر من السفر، ومن أشف ما قالوا فيه وأشفاه قول هذا الأعرابي الشامي (أبي شرحبيل الكندي):
سر في بلاد الله والتمس الغنى ... ودع الجلوس مع العيال مخيما
لا خير في حر يجالس حرة ... ويبيع قرطيها إذا ما أعدما