للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

بين اضطراب الحواس اللدنة، وهيجان النفس الباطنة.

وتحسب الآن إننا كشفنا عن الصلة المتينة بين القلب والعقل، ونبهنا إلى خطر التفريق بينهما، وإلى قلة الإبداع والإنتاج عند إمحال التأمل والتفكير، فإن كثيراً من الناس ليحسون أقوى الإحساس، ويشعرون بأشد الشعور، ولكنهم لا يعبرون عن إحساسهم وشعورهم، لأنهم ضعاف العقول ضئال التفكير، وأغلب الظن أن المبين لو راض عقله وصقل ذهنه بالتأمل الدائب الملح لوفق في رسالته أحسن التوفيق، ومضى إلى غايته كما يرجو ويرجو له النقاد والباحثون.

- ٣ -

مادام الأديب أداة تطوير واعية مرهفة تلتقط ما يتساقط عليها من أشعة الوجود وألوان الطبيعة، وصور الحياة، فلن يحس بالفراغ يملأ ذاته ولا بالوحشة تحف نفسه وكيانه، وهو أبداً يرقب جيشان عاطفته، ويرصد خفوق قلبه. ثم يستمتع بهواه وشعوره، والاستمتاع هنا معناه إيقاف الحياة قبل أن تطوى، والإحساس بها إحساساً (مضاعفاً) قوياً. وفي النفس نزوات مبهمة خافتة، يبصرها الأديب الصناع ثم ينشرها عارية واضحة تكاد من فرط ظهورها تطفر لعين الرائي المشاهد.

ويعتقد الأستاذ إميل فاجيه أن التكلف في البيان أشر ما يبلى به الأديب الفنان من العلل والأدواء، وهذا حق لا ريب فيه، وإنما الريب في قول من قال إن مراقبة النفس تقتضي التصنع، وتؤدي إلى التكلف، لأنها إنما تقتل الطبع الموهوب والهمة الفتية، والقوة الدافقة. والحق إن المراقبة إذا كانت منظمة متصلة توسع إطار الإحساس، وتوضح بداءة الشعور، وتنهض بالقريحة الخابية الهامدة. . . فلقد تستكين العاطفة ويخمد أوارها، وتهدأ حدتها ويبرد لهبها، وليس هذا ما نسميه النضوب والإمحال، وإنما هو أثر من آثار الإعياء والنصب الشديد، كأنما العاطفة المكدودة تنام في جو مظلم ساكن، وكأنما القريحة المتعبة تقف عن الشعور فترة غافلة من الزمان! وفي هذه الحال لقد يأخذ الأديب نفسه بوصف منظر أو تبيان خلجة فيقف مكتوف اليدين متلبد الحس، جامد القلم.

فالمراقبة إنما توقظ العاطفة النائمة أو هي تهيجها كلما غفت، ومن العجب أن تكون سبيلاً إلى التكلف المرذول والتصنع الممقوت، وعهدنا بكبار الشعراء أمثال لافونتين ولامارتين

<<  <  ج:
ص:  >  >>