النعاس على ركبة الحبيب، واحتمت الصالحية بصدره كما يحتمي الطفل الوليد بصدر الأم الرؤوم؟ والشمس! ألا تزال الشمس تضحك لبردى وأبنائه، وتستخم أنوارها في مائة، وتسبح أشعتها في سمائه؟
و (صدر الباز) و (مصطبة الإمبراطور) و (الصوفانية) و (الشاذروان)؟ حدثني عنها. . . حدث عن دمشق، ألا يزال الناس يعيشون في دمشق للخير والجمال؟ ألا يزال التجار يخرجون من صلاة العصر، فيغلقون دكاكينهم ويمضون إلى بيوتهم، إلى أولادهم وأهليهم، ثم يتعشون المغرب، ويؤمون المساجد فإذ صليت العشاء خرجوا، فمنهم من عاد إلى داره ومنهم من ذهب إلى الدرس ومنهم من مشى إلى (الدور). . .
قل لي: ألا يزال (الدور) يجمع الإخوان المتآلفين، والأحبة المتصافين، يسمرون كل ليلة في منزل واحد منهم ينشدون الأشعار ويسوقون النوادر، ويروون المضحكات، ويطالعون الكتب، ويتجاذبون الحديث، ويأكلون أوان الحلويات؛ ويشربون الشاي، ثم ينصرفون إلى دورهم، وقد استمعوا أو في ما يكون الاستماع، وسروا أكثر ما يكون السرور، وما غشوا قهوة، ولا أمسوا ملهى، ولا جالسوا غريباً، ولا أتوا محرماً، ولا أنفقوا في غير وجهه مالاً؟
ألا تزال منازل المشايخ غي (زقاق النقيب) و (حمام أسامة) و (القيمرية) معاهد إرشاد، ومدارس علم، ودارات ملوك؟ قل لي: من بقى من تلك الأسر العلمية؛ آل حمزة وآل عابدين والطنطاوي والعطار والخاني والطيبي والشطي والأسطواني والكزبري والعمادي والمحاسني والمنيني والخطيب؟ ألا يزال فيها العلماء الأعلام أم تنكب الخلف طريق السلف، واستبدلوا الدنيا بالدين، والمال بالعلم، والمنصب بالتقوى؟ والعلماء ألا يزالون أعزة بالدين، يعرضون عن الملوك فيسعى إلى أبوابهم الملوك، ويزهدون الدنيا فتقبل عليهم الدنيا، ويهربون من الولايات والمناصب فتلحقهم المناصب والولايات؟ ألا يزال الناس يعكفون في دمشق على العلم لا يريدون به إلا الله والدار الآخرة، يثنون لذلك ركبهم ويحيون ليلهم، ويكدون نهارهم، ويقنعون في أيام الطلب بما سد الرمق، وحمل الجنب، وستر العورة، لا يسألون عما غاب من ذلك أو حضر، قد فكروا في غيره، وأقبلوا على سواه، فكان العلم أملهم، وكانت المطالعة شغلهم، وكان ثواب الله مبتغاهم، قد صغرت الدنيا في أعينهم حتى إنهم لم يروها ليتكالبوا عليها، ويذلوا من أجلها، و (يضربوا) عن التعلم إن