أناقشه في بعض ما عرض له، وقد لقيته بعد المحاضرة فاعتذر بأنه متعب فرأيت عرضها على صفحات الرسالة الغراء، ذكر الأستاذ - كغيره - إن القرآن اشتمل على كثير من السنن الكونية، ولست أريد أن أخالف عليه في هذا، وأن أعيد ما قاله جماعة من كبار العلماء وفندوا به هذه النظرة إلى القرآن فلكل وجهة، وقال إن القرآن صريح في الدلالة على هذه الحركة وذكر قوله تعالى (وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما تفعلون) وربما تعجب معي كيف ذهب على المحاضر - وهو رجل فاضل - موضع هذه الآية من القرآن، ولكن هذا يدلنا أكبر الدلالة على استيلاء النقص على جملة البشر، والعرب يقولون في أمثالهم (قد يكبو الجواد). هذه الآية في سورة النمل تصور حالة من أحوال يوم القيامة (يوم يكون الناس كالفراش المبثوث، وتكون الجبال كالعهن المنفوش) وكما قال تعالى في سورة الكهف (ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة وحشرناهم فلم نغادر منهم أحداً) جاءت هذه الآية في هذا السياق (ونفخ في الصور ففزع من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله، وكل أتوه داخرين، وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما تفعلون) فليس بخاف أن الآية تذكر حالة من أحوال ذلك اليوم وليس فيها أية إشارة إلى حال الجبال في الدنيا وقد بدا لبعض من ناقشته في هذا الأمر إن قول الله تعالى (صنع الله الذي أتقن كل شيء) فيه دليل على إنه هذه الرؤية مما يكون في الدنيا وإليه ما قاله الإمام الزمخشري في تفسيره الكشاف (صنع الله. يريد به الإثابة والمعاقبة، وجعل هذا الصنع من جملة الأشياء التي أتقنها وأتى بها على الحكمة والصواب حيث قال (الذي أتقن كل شيء) يعني إن مقابلته الحسنة بالثواب، والسيئة بالعقاب من جملة إحكامه للأشياء، وإتقانه لها، وإجرائه لها على قضايا الحكمة إنه عالم بما يفعل العباد وبما يستوجبون عليه فيكافئهم على حسب ذلك).