بلادهم ما يأكلون، وجاءت بهم إلى مصر والسودان وكل أرض كتب الله عليها أن تبتلي ببريطانيا وسياستها الاستعمارية، وحمت هؤلاء الشذاذ وشدت أزرهم وملكتهم الأموال والأرزاق، ونفخت في قلوبهم كبرياء الحقير الذي علا بعد ضعة، ومدت لهم مدا طويلا حتى صاروا سادة علينا وهم يأخذون ما في أيدينا - أي يسرقون ما قي أيدينا. أنت بالشذاذ من كل أمة وجعلتهم جاليات وأقليات وفرضت على نفسها حمايتهم فيما تزعم، واستنكفت لهم أن يتقاضوا في محاكم البلاد التي آوتهم بعد تشرد، وميزتهم عن أبناء البلاد في كل شئ حتى في معاملاتهم التجارية. حتى صارت لهم قوة بيوتنا، ويتعالون عنا، ويحتقرون أبناءنا ورجالنا، ويسخرون من آدابنا وعقائدنا. ويطعنون في أخلاقنا، ويشتموننا في الطرقات وهم في حمى بريطانيا ذات المجد والشرف!!
وأكبر من ذلك أنها حمت هؤلاء الشذاذ حماية أخرى ليكونوا لها جنوداً في ثياب مدنية، فأقطعتهم المدارس ينشئونها حيث يشاءون، وجاءت بدنلوب ليضرب التعليم المصري ضربات قاضية لا تزال إلى اليوم باقية لا تدري وزارة المعارف كيف تخلص منها. وإذا هذه المدارس تأخذ أبناءنا من بيوتنا، فتضعهم بين جدرانها، وتنفث فيهم سمها، وتحقر لهؤلاء الصغار بلادهم وأهلهم، وتمتهن لغتهم حتى كانت تمنع طلبتها عن أن يتكلموا بالعربية بتة، ولا في أوقات الفسحة ما بين الدروس، فإذا فعل ذلك طفل منهم عوقب أشد العقاب، وداروا به على الفصول كأنه مجرم قد ارتكب أشنع جريمة يعاقب عليها القانون وبقيت بريطانيا الممثلة في دنلوب ونظام دنلوب ورجال دنلوب تحمى هذا الوباء وهذا البلاء حتى استفحل، وخرج جيل من أبناء مصر نفسها ينظر إلى بلاده كأنها أرض غريبة يحتقرها كما رأى أستاذه الأجنبي يحتقرها، وكما رأى زميله الأجنبي يزدريها.
وأكبر من ذلك أيضاً أنها أخذت هؤلاء المساكين الذين أضلتهم مدارسهم الأجنبية فآوتهم ونصرتهم ثم مكنت لهم، وصاروا لها أشياعاً يثنون عليها ويفضلونها على سائر أهل الأرض، وعلى أهل بلادهم. واتخذوا لذلك كل أسلوب يدل اتخاذه على أن بريطانيا لا تتورع عن أن تجعل أخس الطبائع البشرية والشهوات الإنسانية سلاحاً تقاتل به الشعب الذي اعتدت عليه واستبدت به. فصار الشعب المصري يسمع مصرياً مثله يبسط لسانه في تاريخ شعبه وفي أخلاق شعبه غافلا عن السبب الأول الذي كان داعياً إلى انهيار هذا