أثر الشرق في الغرب، خاصةً في العصور الوسطى، هذا هو عنوان ذلك الكتاب القيم الذي ألفه الباحث المحقق الأستاذ جورج يعقوب المستشرق الألماني المعروف، وترجمه دكتور فؤاد حسنين علي المدرس بكلية الآداب بجامعة فؤاد الأول، وقامت بنشره لجنة البيان العربي.
أما المؤلف فعالم جليل، وباحث محقق مدقق، كان يؤمن بعظمة الشرق، وخاصة الشرق العربي، ويعترف بما أدى في سالف الزمن من خدمات جليلة مفيدة للثقافة الفكرية، والحضارة العالمية، وقد بذل كثيراً من الجهود لدعم هذه الحقيقة، ولاقى في سبيلها ما لاقى من المقاومة والرهق، وأما كتابه فوثيقة مدعمة بالأسانيد والأدلة العلمية الناطقة على أثر الشرق في الغرب وما أداه أبان مجده السالف نحو المعرفة والحضارة، وإذا كان الشرق يتلقى اليوم عن الغرب ما يتلقى من علم ومعرفة، فإن من حقه أن يقف وفي يده هذه الوثيقة ليقول: إنها بضاعتنا ردت إلينا. . .
أجل. لقد أنصف هذا المؤلف الغربي الشرق إنصافاً قوامه الحق والصدق، ولسنا نبالغ إذا قلنا إن أحداً من أبناء الشرق الأصليين لم يبلغ في هذا شيئاً مما بلغه، فقد عرض في كتابه لكل ما أده الشرق نحو الغرب في العلم والرياضة والأدب والفن والعمارة والنقش والزخرفة وما إلى ذلك من مظاهر المعرفة والثقافة، وإنه ليورد في الدليل على رأيه ما يدل على الاستقصاء في البحث والأمانة في العلم وكثرة ما بذل من التنقيب والرحلة إلى الأقطار الشرقية في سبيل الحقيقة، فلا عجب إذا ما جاء كتابه هذا حجة للشرق على الغرب، وإن أبناء الشرق جميعاً لفي أشد الحاجة إلى هذه الحجة وخاصةً في هذه الآونة التي يناضلون فيها عن حقهم ومكانتهم، وإننا إذ نشيد بالعمل الجليل الذي أداه الباحث الفاضل الدكتور فؤاد حسنين بترجمة هذا الأثر النافع، فإننا نعتب عليه أن ترجمه بتصرف كما يقول، ولسنا نجري لماذا عمد إلى هذا التصرف، فإن من الأمانة العلمية أن تترجم مثل هذه المؤلفات العلمية التاريخية كما كتبها مؤلفوها، كما نعتب عليه أن أخرج الكتاب وكأنه بحث واحد فلم يعن بوضع عناوين لموضوعاته وبالتالي لم يضع فهرساً لهذه الموضوعات. ولعله أراد بهذا أن يحمل القارئ على تناول الكتاب دفعة واحدة.