للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أهلها إلا لحاجة في نفوسهم، والذين لا يفزعون مما ترتكب أيديهم من الوحشية في بلادهم وفي بلاد غيرهم من البشر.

ليعلم أهل هذه الحضارة في أوربة وأمريكا، وينبغي أن نعلمهم نحن في بلادهم وبين ظهرانينا أننا لن نهاب بعد اليوم أن نكاشفهم بعداوة عربية، لا كعداوتهم هم تلك العداوة الممزوجة بالرقة والخداع والكذب والتغرير، إنها عداوة طالب الحق الذي ينتصف لعدوه من نفسه، وينتصف لنفسه من عدوه، والذي لا يغمط حقاً وال ينكر معروفاً، ولكنه لا ينسى أن عدوه هو عدوه!

ولقد سمع أحد رجالنا، هو ابن شبرمة، يوماً عروة بن المغيرة وهو ينشد هذه الأبيات:

لا أتقي حسَك الضغائن بالرَقى ... فعل الذليل، ولو بقيت وحيدا

لكن أعد لها ضغائن مثلها ... حتى أداوي بالحقود حقودا

كالخمر خير دوائها منها بها ... تشفي السقيم وتبرئ المنجودا

فقال: لله در عروة! هذه أنفس العرب.

فهذه نفوسنا، لن تهادن من يعادينا عداوة طويت على الضغائن الصغيرة المحتقرة، فإذا أنابوا وانتصفوا لنا من أنفسهم، وعرفوا قبح ما أتوا وشناعة ما ارتكبوا، فيومئذ نصافحهم مصافحة العربي الذي لا يضمر الغدر ولا الغيلة ولا الفتك، ولا يعرف الكذب ولا المخاتلة.

محمود محمد شاكر

<<  <  ج:
ص:  >  >>