للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ولقد كانت قصيدة شبلى الملاط جميعها كالحجارة المرصوصة المصفوفة بعضها وراء بعض لا ترى بينهما زهرة يانعة، أو وردة متفتحة. . . وقد خلت القصيدة من كل خيال ومن كل ظل ومن كل صورة من بدائع الصور التي لا يكون الشعر شعراً إلا بها وإلا فهو كلام لا طعم له ولا مذاق فيه! وأغلب ظني أن الشاعر عنى بأن يضفي على قصيدته ثوب القصة أو الملحمة القصيرة فخانه الحظ كثيراً فخرجت من أساطير الأقدمين أو بحكاية من حكايات كليلة ودمنة! وليتها كانت!

وكان الكثير من كلامه مبتذلا رخيصاً بعيداً عن جو الشعر وما ينبغي له من رونق وجمال وإشراق، وماذا من الشعر في قوله لمصر:

فإنا ما يشاء بنوك شئنا ... من استقلال آفاق الصعيد!

وماذا منه في قوله:

بلبنان. . . الجلاء أصاب عيداً ... وفي مصر سنشهد أي عيد!

وماذا منه في قوله إلى عذارى النيل:

وشاركن الشباب وكل حر ... يموت ولا يعيش من العبيد

أين الموسيقى الشائعة في القصيدة؟ وأين العبارة الزنانة الآخذة بمجامع القلوب؟ قصارى ما بلغته هذه القصيدة - وهي لم تصور من نواحي الخليل إلا اليسير القليل - أنها خلت من الأخطار اللغوية والأخطاء النحوية إلا في كلمة واحدة، وذلك أضعف الإيمان!!. . .

وكانت القصيدة الأخيرة في حفلات تكريم الخليل التي قرأناها لصديقنا الشاعر محمد عبد الغني حسن، وأشهد أن هلا في جملتها إشراقا وموسيقى لم يتوفرا لقصيدة الملاط، غير أن الناظر فيها نظرة المتأمل المدقق، يجد فيها هنات كنا نربأ بصديقنا عنها فقد ابتدأها بقوله (جئت ألقي في بابك الأعذارا) والأعذار لا تلقى وإنما تلقى الأحجار، وقال فيها مخاطباً الخليل (أنت كالبدر في الوجود ائتلاقاً) وكلمة الوجود فوق أنها ليست من الشعر في شيء لا ضرورة لذكرها والأستاذ خير من يعلم ذلك، وقال عجزاً لأحد الأبيات (ثم أصلح في كفك المزمارا) وأصلح هذه لغة رجال (التخت) لا رجال الشعر، وقال البيت الآتي عن العود:

لا تقل حطمته مر الليالي ... لم تحطم من عودك الأوتارا!

<<  <  ج:
ص:  >  >>