للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فأمريكا لم تزل تزعم منذ الحرب الماضية إنها نصير العدل والحق، وإنها عدو البغي والعدوان، وإنها صديق الأمم المستضعفة، وإنها تبغض أشد البغض كل الاستعمار، أي إنها الحكم العدل الذي لا يرى بغياً ولا عدواناً ولا مظلمة إلا نبض قبله إشفاقاً، وتحركت دماؤه اشمئزازاً وأنفة، وأبى إلا أن يكون كما أراده الله أن يكون حكماً عدلاً لا يرده عن إقرار الحق والعدل جهد يبذله، ولا دم يريقه، ولا مال ينفقه في سبيل الحل والعدل والحرية.

وهي لا تزال تحقق ذلك - فيما ترى بكل ما آتاها الله من قوة وحيلة ومعرفة، فهي تتدسس إلى قلب روسيا لتكشف الغطاء عن هذا الوحش الباغي المستقر بين جنبيها، والذي يخشى أن يكون أشد بغياً وعدواناً من الفريق الأول الهالك (ألمانيا)، وهي تتسلل إلى خفايا السياسات في أرجاء أوربة لتظهر العالم على أساليب روسيا في العمل لإدخال كل أوربة في حوزتها وتحت سلطانها، وهي ترسل جيوشاً لا تحصى من الخبراء والمخبرين ليستطيعوا طلع الحقائق التي تسترها روسيا في كل حنية من حنايا هذه الأرض، وهي تؤوي إليها كل شريد أو طريد ناله من عسف الروس وبطشهم له صدرها، وتفسح له الصحف أيضاً حتى يقول للناس ماذا تحاول روسيا أن تخبأ عن الناس، وكيف تفعل روسيا بالناس، إلى آخر هذا كله.

بل أعظم من ذلك أنها لم تتردد لحظة واحدة في أن تبذل كل البذل لتركيا واليونان حتى يتاح لهما أن يصدا عن نفسهما بلاء الروس وبطشهم واضطهادهم، وأن تكونا جبهة مزودة بالقوة التي تعينها على الجرأة فلا يروعهما تهديد الروس ولا تخويفهم. ولم تتوان صحف أمريكا عامة عن أن تجعل مسألة تركيا ومسألة اليونان من أعظم المسائل التي تشغل الرأي العام حتى يتهيأ للكونجرس أو يؤازر حكومته في سياستها التي أرادتها لدرء خطر الروس عن هذين البلدين.

كان هذا كله ليس يشك فيه أحد، ورأت أمريكا إنها إما تؤدي بذلك حق الإنسانية علها، وتؤدي حق المكانة التي تبوأتها عند الناس، وتؤدي ما يجب على الحكم العدل الذي لا ينبغي إلا إقرار الحق والعدل، وإزهاق الظلم والجور.

ولكن ما الذي فعله هذا الحكم العدل في شأننا نحن العرب؟

كان أول ما فعله أنه طلب باسم الحق والعدل أن تبيح فلسطين أرضها لصعاليك الأمم

<<  <  ج:
ص:  >  >>