مخدرة تمحو بأذيال حسنها ... أساطير من قبلي، وتعجز من بعدى
كذلك إني قائل ثم فاعل ... فعالي، وغيري قد ينير ولا يسدى
أما شوقي شاعر مصر المنوه بأمجادها، المعتز بماضيها، العليم بتاريخها فقد أفتخر بسالف عهدها، فالدهر منذ طفولته لم يحتفل بغير الفراعنة، ولم يعرف أقوى منهم، وهم صبر على النوائب وفيون بالعهد لا يتلونون كالحرابى، وهو هنا يشير إلى وفائه للخديوي عباس ويعرض بمن تلون من أصدقائه أو يعرض بالإنجليز أصحاب السيادة المتقلبة، والشمس لم تشرق على ملك عظيم كمصر، وقد عبدت على ضفاف النيل، ورأت ملوكاً له أبناءها الفراعين، وانه لواد جميل خصيب تشرق الشمس عليه فتكسوه أشجارا ووروداً وحريراً، ونحن الفراعنة حكمنا الأرض قبل الرومان، وكنا رواد العالم، ولم يفت شوقي أن يعرج على الأهرام الخالدة، فوصفها هذا الوصف البارع: بناها الدهر لا الإنسان الفاني، وعمرت مقاصيرها أربعة الآلف عام تقوضت فيها عروش الملوك وهي باقية، وكأنها وبحر الرمل حولها سفن واراها اليم إلا قلوعها، وكأنها والضحا يتلألأ فوقها كنوز فرعون يزنها على موازين كبار فغطتها وتكومت فوقها. قال:
لم يجر للدهر اعذار ولا عرس ... إلا بأيامنا أو في ليالينا
ولا حوى السعد أطغى في أعنته ... منا جياداً ولا أرخى ميادينا
نحن اليواقيت خاض النار جوهرنا ... ولم يهن بيد التشتيت غالينا
ولا يحول لنا صبغ ولا خلق ... إذا تلون كالحرباء شانينا
لم تنزل الشمس ميزاناً ولا صعدت ... في ملكها الضخم عرشاً مثل وادينا
ألم تؤله على حافاته، ورأت ... عليه أبناءها الغر الميامينا؟
إن غازلت شاطئيه في الضحا لبسا ... خمائل السندس الموشية الغينا
وبات كل مجاج الواد من شجر ... لوافظ القز بالخيطان ترمينا
وهذه الأرض من سهل ومن جبل ... قبل القياصر دناها فراعينا
ولم يضع حجر بأن على حجر ... في الأرض إلا على آثار بانينا
كأن أهرام مصر حائط نهضت ... به يد الدهر لا بنيان فأنينا
إيوانه الفخم من عليا مقاصره ... يفنى الملوك ولا يبقى إلا واوينا