طول حياته، ولكن غايته من هذا الكدح هي أن يتحرر من الكدح وهذا إحدى عجائب الطبيعة البشرية.
نعم أن الحرية غاية الفرد التي يسعى إليها وهو وحيد في مشاعره وفي بعض وجوده، ولكنه إذا صار فرداً من جماعة كان للجماعة سلطان على هذه الحرية وتصرفها، وهو شيء من حقها أيضاً. ولكنها إذا إرادة أن تتعسف وتحرمه حريته فقد أساءت من حيث أرادت الإحسان، ولا تكون الجماعة رشيدة حتى تعرف أن الحرية حاجة طبيعية لابد للفرد من الاستمتاع بها على وجه من الوجوه، فلابد إذا من أن تتيح أوسع ما يمكن من مجال تتصرف فيه الحرية على الأسلوب الذي يجعلها وافية بحاجته الطبيعية. ومن هنا يأتي الفرق بين نظام ونظام، فيكون هذا بغيضا مملولا، وذاك محببا مألوفا.
والأمم اليوم في جماعة الدول بمنزلة الأفراد في الجماعة، فلا بد للنظام الذي يريد أن يكون محببا مألوفا من أن يتيح للأمم جميعا أوفر قسط من الحرية يتيح لها أن تتصرف على الأسلوب الذي يجعل الحرية وافية بحاجتها الطبيعية، فإذا لم تفعل ذلك جماعة الدول انتقضت الأمم المسلوبة حريتها ورأت ذلك النظام بغيضاً مملولا، وكرهته وكرهت أهله، وصارت حرباً على الجور والعسف حتى تنال حريتها وتستمتع بها طبقاً لحاجتها الطبيعية. ومن أجل ذلك فيما زعموا، أنشئوا هيئة الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية.
ولكن ماذا نرى من فعل جماعة دول اليوم؟ إنها جميعا قد أنكرت بأسلوب يجمع بين الخسة والمكر والنفاق، أن تكون فلسطين المضطهدة أمة عربية مستقلة حرة كما تشاء الفطرة الإنسانية، وأرادوها أن تكون يهودية تفتح أبوابها لأنذال أمم الأرض، فهم يتدسسون إليها من كل حدب ومن كل فج، وهم يزمعون أن يغزوها بأجساد يهودية تتساقط من الطائرات على أرضها، وأرادوها أن تظل ساكنة هادئة مطيعة حتى تمتلئ جنباتها بالإنذار الذين يريدون أن يحولوها من عربيتها إلى يهوديتهم.
وهذه الأمم التي كانت، ولا تزال تتداعى وتتنادى باسم الحرية، تسمع وتبصر، فينسكت بعضها ويمالئ بعضها، ويعاضد بعضها، وتأذن جميعها للصهيونية الخبيثة أن تزرع بذورها الخبيثة في الأرض الطيبة. فإذا قامت العرب تناديهم باسم الحرية حاوروها وداوروها وتنذلوا معها بكل أساليب الخسة والخداع والنفاق، لأنهم يريدون أن لا تكون