للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أمرها وأمره لله ذي الرحمة، ضارعة إليه أن يكلأه بعنايته، وكطلبه من المطر أن ينزل بردا وسلاما في نغم رتيب وإيقاع عجيب، وكوصفه للأهرام هذا الوصف البارع.

على أن قصيدته لم تخل من تراكيب قليلة متأثرة بالتصوير القديم مثل قوله للبرق:

بالله إن جبت ظلماء العباب على ... نجائب النور محدودا بجبرينا

يقصد بنجائب النور المشبه للنوق المسرعة، وليس هذا بشيء.

ومثل قوله: (ريش الفراق لنا سهماً) وليس السهم المريش ولا غير المريش من أدوات القتال في العالم المتحضر.

- ٤ -

أجاد شوقي في اختيار المفردات وصوغ التراكيب إجادة أشاعت في القصيدة موسيقى ورنيناً، وأجاد اختيار القافية نونا بعدها ألف لينة تلائم الحنين والألم، وأجاد البارودي في انتقاء كلماته، وجنح إلى الجزالة والفخامة وإن حرمت قصيدته موسيقية شوقي، على أنه استعمل كلمات مبهمة المعنى مثل (لا يعيد ولا يبدي).

- ٥ -

وبعد فكل من القصيدتين مرآة لنفس قائلها، تتجلى في قصيدة البارودي صرامته وشجاعته وجنديته واعتداده بنفسه وبآبائه المماليك، وولعه بمحاكاة الأقدمين في أساليبهم ومعانيهم وأخيلتهم.

وتتجلى في قصيدة شوقي ثقافته التاريخية، وحبه لمصر، واعتزازه بماضيها المجيد، وفخره بماضي العرب، وتغنيه بجمال الطبيعة في مصر، وكلفة بموسقة أسلوبه وابتداع معانيه وافتنان خياله.

على أن قصيدة شوقي خير من قصيدة البارودي فيما اتفقنا فيه من أغراض، ومتفردة ببعض أغراض، وإذا كان شوقي قد تتلمذ للبارودي فقد بزه، وما اهنأ للأستاذ أن يفوقه تلميذه.

أحمد محمد الحوفي

المدرس بالسعيدية الثانوية

<<  <  ج:
ص:  >  >>