تنوعها لا تحتاج إلى إيضاح كثير ولكنها مع كل حال لا تخرج عن يأس وقنوط لإيجاد حل (معقول) لمشاكل لا حدود لها.
وكم من مرة سمعنا بعض الناس يقول (إن الحياة عندي لا تساوي مليما) أو (إني أفضل الموت على الحياة) أو (لماذا ولدنا وكل ما في الحياة عذاب) وهذه الكلمات لا تصدر عفواً ولا يقولها القائل تلهياً وعبثاً؛ فواجبنا جميعاً يقضي بدرس هؤلاء الناس والعمل على تخفيف آلامهم، ولا ننسى أن بعض هؤلاء انتحر فعلا بعد أن التمس من الحكومة الأخذ بيده ليتمكن من القيام بواجبات الأبوة والأطفال صغار.
إن مما يؤسف له حقاً أن تكون المدنية السبب الأول لهذا البلاء لأنها هي التي جرت على الناس مصيبة الترف ودقة الإحساس والمبالغة فيتقدير المتاعب، وقربتهم إلى (النعومة) فأصبحوا خائري القوى لا يرغبون في المقاومة بل ويستسلمون لأقل قوة، فترى البعض يثور إذا ما أصاب مصعد العمارة التي يسكنها أي خلل مؤقت يترتب عليه بذل جهد بسيط في الصعود إلى الطبقة الرابعة أو الخامسة، وزاد بالناس التبرم بالحياة إلى حد الرغبة في إحداث (ثورة) منزلية إذا ما وجدوا ماء الحلاقة بارداً أو فاتراً أو شربوا الماء وهو في درجة ترتفع عن الصفر!
لقد فقد الناس الجلد وقوة الاحتمال بفضل المدنية الحديثة واختراع الآلات الميكانيكية التي تؤدي كل عمل؛ ولذلك فلا غرابة إذا زادت نسبة المنتحرين بين الطبقة المتمتعة بمثل هذه (النعم) أو الراغبة فيها أو الساعية إليها!
ويظهر أن هناك علاقة وثيقة بين الموقع الجغرافي والجو في بلد ما وبين عدد المنتحرين فيه. فمثلا نجد أن منطقة سان ديجو في كاليفورنيا أكثر من غيرها بالنسبة إلى عدد المنتحرين، فقد بلغ هذا العدد ٤٦ في كل مائة ألف، وبعدها سان فرانسسكو ٣٨ ولوس أنجلوس ٣٣ وأوكلاند ٣٠ فقط، والتباين بين هذه المناطق ظاهر وراجع إلى اختلاف الموقع واختلاف الجو.
ولم يلاحظ أن جمال البقعة أو الوسط مما يخفف من اندفاع الناس نحو الانتحار، فمدينة واشنطون معروفة بجمالها وبكثرة بساتينها وأنها بلد محوط بالحدائق، ومع ذلك ازداد عدد المنتحرين فيها عن بايون في نيوجرسي التي لا تدانيها في جمال الطبيعة فيها؛ فنرى في