للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

نظري أنه في هذه الناحية أهم منه في الناحية الأخرى: ناحية التعمق في الأفكار التي تعرض لشرحها.

وقبل أن أترك هذه المجموعة المتشابهة أحب أن أشير هنا إلى كتاب آخر عظيم الشبه بها وإن امتاز منها في الروح ثم في الأسلوب إلى حد كبير، ذلك هو مجموعة الفصول التي جمعت تحت عنوان (أين الإنسان) لمؤلفها الشيخ طنطاوي جوهري. ولقد قدمت هذه الرسالة إلى المؤتمر الدولي الذي انعقد في لندن عام ١٩١١. أما المتكلم في هذه الرسالة فهي روح سماوية، وأما الحديث فانه يدور حول التقدم العالمي والإخاء البشري. ولم يلجأ الكاتب إلى استعمال السجع، وهذه الرسالة مفخرة للأدب العربي العصري، وهي جديرة بأن تكون موضوع دراسة خاصة، ولكني أكتفي هنا بالإشارة إليها لخروجها عن موضوع بحثي.

ويمكننا أن نتبين في هذه المؤلفات عدة محاولات مجتمعة لإيجاد نوع جديد من الأدب، يسد حاجة جمهور قارئ جديد، ويتصل بعض الاتصال بمشاكله ونظراته إلى الحياة، بحيث يسهل تناوله، ويثير اهتمامه، ويلائم خياله. على أن أصحابها لم يصادفوا نجاحا في تلك المحاولات لأنها كانت أقرب إلى الأدب العالي منها إلى آداب التسلية، فلم يقبل عليها الا عدد صغير من خاصة القراء.

وبدل أن يطرقوا موضوعات جديرة طريفة تسري عن الجمهور ما يلاقيه من متاعب الحياة نراهم يوجهون اهتمامهم إلى هذه المتاعب نفسها فيتناولها بالدرس والتحليل، وأدهى من ذلك انهم كانوا يسلكون في كتاباتهم طريقة الوعظ الجافة، أضف إلى ذلك انهم لم يسلموا من تسلط الفكرة القديمة، فكرة العصور الوسطى، التي تنظر إلى الأدب كوسيلة من وسائل المباهاة والظهور، سواء في ذلك ساروا على الطريقة القديمة أو من قاموا بترجمة بعض المؤلفات الغربية كعثمان جلال والمنفلوطي، ولم يخل الكتاب السوريون من التشيع بهذه الفكرة أيضاً وحتى كتاب الأقاصيص التافهة التي تركت في زوايا النسيان الذي استحقته منذ ظهورها، قد قصدوا في كتاباتهم إلى ذلك الغرض الوعظي الخلقي. ويظهر لنا من هذا أن أولئك الكتاب كانوا ينظرون إلى القصص التي تكتب للجمهور نظرة ازدراء مما كان له أكبر الأثر في تأخر نمو القصة كفن من فنون الأدب العربي.

<<  <  ج:
ص:  >  >>