اختلس، وإنها علمت إنه سيطرد من عمله وان قريبي هو الذي أعد مذكرة يقترح فيها الطرد؛ وأخرجت السيدة صورة طفلين آخرين من أولادها وقالت ماذا نصنع جميعاً والي أين نذهب؛ ثم أجهشت إجهاشة طويلة أستفرغت فيها كل المها ووضعت بنتها وجهها بين كفيها وشهقت شهقة طويلة.
وما وقعت والله عيناي على صورة الطفلين الصغيرين، وما سمعت بكاء الأم وبنتها حتى انخلع قلبي وأحسست بالدموع تتساقط على وجنتي ساخنة وأنا لا ادري ماذا أقول، وما أحسبك أيها القارئ إلا تحبس دمعك في جهد الآن أو لعلك تسخر مني وتضحك من ضعفي سامحك الله. . .
واستبطاني قريبي فناداني، فخرجت إليه وأنا على هذه الحال، ورحت أتوسل إليه أن يخفف العقاب، قائلا ما ذنب هؤلاء وأين تذهب هذه البنت؟ وكيف تطعم هؤلاء الصغار؟
ونظر إلي طويلا وهو يتفكر ثم قال:(ولكنه مختلس وانه يسلب حق المجتمع، أنني تلقاء اختلاس محض. . . ألم يكن يعلم هذا المختلس السافل أن له زوجة وأطفالاً؟)
وقلت ناشدك الله أن تعفيني من سماع هذا كله - ماذا يصنع هؤلاء وما جريرتهم؟
وتنهد وقال أنت لا تصلح أن تكون قاضيا. فقلت يرحمك الله ما سالت أحد أن يجعلني قاضيا، ولو أعطيت إضعاف ما أعطى أجراً على عملي ما قبلت أن أكون قاضيا ولا فقد أطلقت كل مستعطف ودفعت ما اقبض من اجر لكل باك متوسل.
وضحك قريبي وقال: لم ارفع المذكرة إلى الوزير بعد وسأقترح خصم نصف مرتبه وإنذاره بالرفت. . .
وأسرعت إلى الحجرة فما كدت أفضي إليها بهذا النبأ حتى أقبلت على تريد أن تقبل يدي، فحلت بينها وبين ذلك في رفق ثم سألتها كيف تعيش الشهر بنصف المرتب؟ فقالت (وعد إخوانه إن وصل الأمر إلى هذا أن يجمعوا له إعانة. . . ولكني لن ارضي بهذا وسوف أبيع صيوان الملابس.)
وخرجت ولست انسي أبداً نظرة الشكر في عينها وعيني بنتها، وعدت إلى قريبي فنظر إلى يسخر من ضعفي وأعاد على قوله: أنت لا تصلح أن تكون قاضيا. . وابتسمت وأجبته ولكنني كسبت القضية.