إنما وضع التمثالين المذكورين تخليدا لذكرى تلك الإغريقية.
وإذا علمنا ان دوديه رجل (شأن كل كاتب) واسع الاطلاع مفروض وقوفه على تاريخ تلك الإغريقية وظروف حياتها، وكذلك علمه بآمر هذين التمثالين جزمنا بأنه ما تب تلك القصة إلا وهو متأثر بهذين الظرفين لقيام وجه الشبه بين هذه المرأة وبين سافو ربيبة قلمه من حيث الحب والخلاعة والاستهتار. ولأن قصته والقطعة الغنائية المأخوذة عنها تناولتا ذكر التمثال المرمري الذي أشرنا إليه.
على ان من العجيب ما لحظناه من انه جعل فتاة قصته مصرية، وان واضع القطعة التمثيلية المنقولة عنها جعلها أندلسية؟
أما الناقل فقد يكون التبس عليه الأمر بين هذه المصرية وبين راقصة أخرى أندلسية جاء ذكرها أيضاً في نفس القصة. ولكن دوديه أكد وصف سافو بالمصرية في أكثر من موضع منها، فلابد إذن أن واضع تلك القطعة تعمد جعلها أندلسية، لأن سافو كما وصفها دوديه امرأةفطرت على الحب العنيف المتقعد، وهي أيضاً كثيرة الأهواء لا تستقر عند حبيب وأحد، ولا تطيب حياتها إلا بالتنقل من حب إلى حب، وكلها صفات تتوافر كثيرا في الأسبانيات، حتى أن بروسبير ميريميه اضطر إلى اختيار (كرمن) في قصته البديعة من بينهن.
ودوديه الكاتب القدير لا يفوته ذلك أيضاً، ولكنه قصد إلى تمصير سافو قصدا، وقد خصها بالإجادة في رقص (البطن) فإذا كان هذا ما أراده فقد التوى عليه قصده، لأن مثل هذا النوع من الرقص ليس من عادات الباريسيات، وقد أراد بقصته وصف تلك العادات، ولأنه كان عليه ما دام هذا قصده إلا يسمى فتاته سافو، لأن سافو الإغريقية لا تعرف مثل هذا الرقص، ولان المصرية لا تتسمى بهذا الاسم.
وعلى كل حال فقد رأى إلا يجعل الخاتمة واحدة في سافو التاريخ وسافو القصة، فغلب هذه على اليأس الذي ذهب بحياة أختها، وأحياها الحياة الكبرى حياة الأم التي تحطم قلبها وتتطهر من أقذار الآثم لتنصرف إلى تربية طفلها. فكان فيما اختار عظيما رائعا، وهو ينزل على حكم الطبيعة، ويساير غريزة التكوين البشري.