كتب الدكتور أمير بقطر مقالاً في مجلة الهلال عنوانه:(شر الأمور الوسط) وأخذ يندد بأوساط الأمور ويعتبرها (أقلها إنتاجاً، وأبخسها ثمناً، وأسرعها زوالاً، وأخفها أثراً في النفوس) فجاء الأستاذ مصطفى محمد إبراهيم وكتب كلمة في العدد (٧٣٦) من الرسالة الغراء، يحتفظ لهذه الحكمة بكيانها واعتبارها؛ فحمل كلمة الوسط على أنها خير الأشياء وأعدلها.
ويؤسفنا أن نقول أن كلاً من الدكتور العلامة، والأستاذ الفاضل قد تنكب الجادة، فليس المراد من الوسط في هذه الحكمة وسط كل شيء وإلا كان العرب الذين أجروها على ألسنتهم بُلْهاً مغفلين، وليس المراد من الوسط (من كل شيء خيره وأعدله) وإلا كانت الكلمة متهافتة فتئول حينئذ إلى هذه الركاكة (خير الأمور خيرها) وهو ما نبرئ العرب من التورط فيه.
وإنما قصدت العرب من الوسط هنا معنى أدبياً هو الحد بين الإفراط والتفريط، ولذلك يقولون: الفضيلة حسنة بين سيئتين، والجود مثلاً وسط بين البخل والإسراف، والشجاعة وسط بين الجبن والتهور، وليس الطالب الذي ينال ٦ من ١٠ حائزاً على الوسط الذي قصدوه. ولو أردنا أن نضرب المثل بالطالب لقلنا أن من الطلاب من يعتدل في استذكار دروسه فيعطي الدرس حقه ويعطي نفيه حقها، ومنهم المسرف الذي يعمل الليل والنهار، ومنهم المكسال وخير الثلاثة المتوسط.
ونحن إذا رجعنا إلى أقوال العرب وجدنا فيها ألف دليل على هذا الذي ذهبنا إليه.
فالشاعر يقول:
فرط التناهي غلط ... خير الأمور الوسط
ومن أمثالهم:(لا تكن حلواً فتسترط، ولا مراً فتعقى) أي تلفظ، وقول مطرف ابن الشخير:(الحسنة بين السيئتين، وخير الأمور أوساطها).
فلا حاجة بنا - إذن - إلى حمل الوسط على معناه في قوله تعالى:(وكذلك جعلناكم أمة وسطاً) كما لا حاجة بنا إلى التنبيه على أن الدكتور بقطر ذهب عليه معنى الوسط، وفهمه فهماً حسابياً!!