للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كرة أخرى.

على أن هذا العزل لم يكن إيذاناً بسخط السلطان ونقمته؛ فقد لبث ابن خلدون في منصب التدريس بالقمحية؛ ولم يمض سوى قليل حتى عينه السلطان أيضاً لتدريس الفقه المالكي بمدرسته الجديدة التي أنشأها في حي بين القصرين (المدرسة الظاهرية البرقوقية). واحتفل ابن خلدون كعادته بالدرس الأول، وألقى خطابا بليغا يدعو فيه للسلطان، ويعتذر عن قصوره في تواضع ظريف. وشغل بالدرس في المعهدين حتى كان موسم الحج عام تسعة وثمانين، فأعتزم عندئذ أداء الفريضة، وأذن له السلطان وغمره بعطائه، وغادر القاهرة في منتصف شعبان؛ وقصد إلى الحجاز بطريق البحر؛ ثم عاد بعد أداء الفريضة، بطريق البحر أيضاً حتى القصير؛ ثم أخترق الصعيد بطريق النيل، فوصل القاهرة في جمادى الأولى سنة تسعين (٧٩٠ هـ)؛ وقصد السلطان تواً واخبره بأنه دعا له في الأماكن المقدسة، فتلقاه بالعطف والرعاية. ثم خلا كرسي الحديث بمدرسة صرغتمش فولاه السلطان إياه بدلا من تدريس الفقه بالمدرسة السلطانية؛ وجلس للتدريس فيها في المحرم سنة إحدى وتسعين، وألقى خطاب الافتتاح كعادته في حفل فخم، وأعلن أنه قد قرر للقراءة في هذا الدرس كتاب الموطأ للإمام مالك؛ ويعرفنا ابن خلدون بموضوع درسه الأول في ذلك اليوم، فقد تكلم فيه عن مالك ونشأته وحياته وكيفية ذيوع مذهبه، ثم يقول لنا في كبريائه المعهود: (وأنقض ذلك المجلس، وقد لاحظتني بالتجلة والوقار العيون، وأستشرت أهليتي للمناصب القلوب، وأخلص النجا في ذلك الخاصة والجمهور).

<<  <  ج:
ص:  >  >>